الأول: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث للتحريم، والحكم باق لم ينسخ، فيحرم إلى يوم القيامة إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وجدت مجاعة وفقر أم لا. ونسب هذا إلى علي وابن عمر -رضي الله عنهم- أما علي فتشير إلى رأيه الرواية الأولى والثانية، إذ طالب بتطبيق النهي أيام حصار عثمان، وأما ابن عمر فتشير إلى رأيه الرواية الثالثة والرابعة.
وهذا القول شاذ بالنسبة لما هو مجمع عليه الآن، ويحاول بعض العلماء توجيه ما جاء عن علي وابن عمر ليبعد به عن هذا الحكم، كما سيأتي.
الثاني: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث للتحريم، والحكم مرتبط بسبب، باق إلى يوم القيامة، لم ينسخ، فحيثما وجد السبب في مكان أو زمان ثبت الحكم، قال الشافعي في الرسالة، في آخر باب العلل في الحديث ما نصه: فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، وإن لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار والصدقة. اهـ
وقال القرطبي: حديث سلمة وعائشة نص على أن المنع كان لعلة، فلما ارتفعت ارتفع، لارتفاع موجبه، وبعود العلة يعود الحكم، فلو قدم على أهل بلد ناس محتاجون في زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة، يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا، تعين عليهم ألا يدخروها فوق ثلاث. قال الحافظ ابن حجر: والتقييد بالثلاث واقعة حال، وإلا فلو لم تسد الخلة إلا بتفرقة جميع الأضحية لزم على هذا التقرير عدم إمساكها، ولو ليلة واحدة. اهـ
وواضح من كلام القرطبي أن العلة مكونة من شقين: وجود المحتاج عند الأضحية، وعدم سد حاجته إلا بالأضحية، وهذه صورة قد تقع، وإن كانت نادرة، وعند وقوعها يحرم إمساك لحوم الأضحية. وبعض العلماء يحمل رأي علي رضي الله عنه، وخطبته على هذا القول.
القول الثالث: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث كان للتحريم، وكان لسبب، فلما زال السبب زال الحكم، لكن لا يلزم عود الحكم عند عود هذا السبب، لأن الشدة والحاجة يومئذ لم تكن تسد إلا بلحوم الأضحية غالباً، فأما الآن فإن الخلة تسد بغير لحم الأضحية، فلا يعود الحكم، حتى لو فرض أن الخلة لا تسد إلا بلحم الأضحية، لأن هذه الصورة في غاية الندور، أو هي فرضية، فلا يعتد بها، فإمساك الأضحية اليوم بعد ثلاث لا يحرم بأي حال. حكى الرافعي هذا القول عن بعض الشافعية.
القول الرابع: أن النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث كان للتحريم، لحكمة، وليس لعلة، لكنه نسخ بالأحاديث، رواياتنا الخامسة وما بعدها، ولا يعود الحكم بعد نسخه، ولو عادت الظروف التي دفعت إليه، لأنه يلزم من القول بالتحريم -إذا دفت الدافة- إيجاب الإطعام، وقد قامت الأدلة عند الشافعية أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة، وبهذا القول أخذ المتأخرون من الشافعية، فقال الرافعي: الظاهر أنه لا يحرم اليوم بحال، وقال الشافعي: يحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث منسوخاً، في كل حال.
وبعضهم يعتذر عن خطبة علي رضي الله عنه بأنه لم يبلغه خبر النسخ، وهذا بعيد، إذ لو كان كذلك لأعلمه