5 - وعن الرواية الرابعة عشرة قال: هذا الحديث مما صرح فيه بالناسخ والمنسوخ جميعاً، قال العلماء: يعرف نسخ الحديث تارة بنص كهذا، وتارة بإخبار الصحابي، كحديث "كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار" وتارة بالتاريخ، إذا تعذر الجمع، وتارة بالإجماع، كترك قتل شارب الخمر، في المرة الرابعة، قال: والإجماع لا ينسخ، ولكن يدل على وجود ناسخ.

6 - وفيه نسخ الأثقل بالأخف، لأن النهي عن ادخار لحم الأضحية بعد ثلاث مما يثقل على المضحين، والإذن في الادخار أخف منه، وفيه رد على من يقول: إن النسخ لا يكون إلا بالأثقل للأخف، وعكسه ابن العربي، فزعم أن الإذن في الادخار نسخ بالنهي، وتعقب بأن الادخار كان مباحاً بالبراءة الأصلية، فالنهي عنه ليس نسخاً، وعلى تقدير أن يكون نسخاً ففيه نسخ الكتاب بالسنة، لأن في الكتاب الإذن في أكلها، من غير تقييد، لقوله تعالى {فكلوا منها وأطعموا} ويمكن أن يقال: إنه تخصيص، لا نسخ، وهو الأظهر، قاله الحافظ ابن حجر.

7 - استدل بمفهوم قوله في الرواية الأولى "من لحوم نسكنا" وفي الرواية الثانية "لحوم نسككم" وفي الرواية الثالثة "لحم أضحيته" على أن النهي عن الأكل فوق ثلاث خاص بصاحب الأضحية، فأما من أهدي له، أو تصدق عليه فلا، وقد جاء في حديث الزبير بن العوام، عند أحمد وأبي يعلى "قلت: يا نبي الله، أرأيت قد نهي المسلمون أن يأكلوا من لحم نسكهم فوق ثلاث، فكيف نصنع بما أهدي لنا؟ قال: أما ما أهدي إليكم فشأنكم به" فهذا نص في الهدية، وأما الصدقة فإن الفقير لا حجر عليه في التصرف فيما يتصدق به عليه، لأن القصد أن تقع المواساة من الغني للفقير، وقد حصلت.

8 - ومن قوله في الرواية الخامسة "فكلوا، وادخروا، وتصدقوا الأمر بالصدقة والأمر بالأكل، قال النووي: فأما الصدقة منها، إذا كانت أضحية تطوع، فواجبة على الصحيح عند أصحابنا، بما يقع عليه الاسم منها، ويستحب أن يكون بمعظمها، قالوا: وأدنى الكمال أن يأكل الثلث، ويتصدق بالثلث، ويهدي الثلث، وفي قول: يأكل النصف، ويتصدق بالنصف، وهذا الخلاف في أدنى الكمال في الاستحباب، فأما الإجزاء، فيجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم، كما ذكرنا ولنا وجه أنه لا تجب الصدقة بشيء منها. وأما الأكل منها، فيستحب، ولا يجب. هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، إلا ما حكي عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها، وهو قول أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا، حكاه عنه الماوردي، لظاهر هذا الحديث في الأمر بالأكل، مع قوله تعالى {فكلوا منها} وحمل الجمهور هذا الأمر على الندب أو الإباحة، لا سيما وقد ورد بعد الحظر، كقوله {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2].

وقد اختلف الأصوليون والمتكلمون في الأمر الوارد بعد الحظر، فالجمهور من أصحابنا وغيرهم على أنه للوجوب، كما لو ورد ابتداء، وقال جماعة منهم من أصحابنا وغيرهم: إنه للإباحة. اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015