وينتفع به المحتاجون، ووقع في البخاري "يعينوا" بالعين، من الإعانة، قال القاضي في شرح مسلم: الذي في مسلم أشبه، وقال في المشارق: كلاهما صحيح، والذي في البخاري أوجه. اهـ قال الحافظ ابن حجر: مخرج الحديث واحد، ومداره على أبي عاصم، وأنه تارة قال هذا، وتارة قال هذا، والمعنى في كل صحيح، فلا وجه للترجيح. اهـ قال القاضي عياض: والضمير في رواية البخاري في "فأردت أن تعينوا فيها" للمشقة المفهومة من الجهد، أو من الشدة.
(ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته) أي في حجة الوداع، كما صرح به في الرواية الثالثة عشرة، فالنهي عن إمساك لحوم الضحايا كان في السنة التاسعة.
(أصلح هذا اللحم) أي قطعه، واغسله، وملحه، وقدده، واطبخه بما يصلحه لأيام.
(ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية كلها) في رواية للبخاري "لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الأسقية، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ليس كل الناس يجد سقاء، فرخص لهم في الجر المزفت" قال عياض: ذكر "الأسقية" وهم من الراوي، وإنما هو "عن الأوعية" لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه قط عن الأسقية، إنما نهى عن الظروف، وأباح الانتباذ في الأسقية، فقيل له: ليس كل الناس يجد سقاء، فاستثنى ما يسكر، وقال الحميدي: لعله نقص من لفظ المئن، وكان في الأصل "لما نهى عن النبيذ إلا في الأسقية" اهـ والسقاء وعاء من جلد، إذا تخمر النبيذ فيه تشقق، بخلاف الخزف والجر ونحوها، فإنها تخفي تخمر النبيذ.
(فاشربوا في الأسقية كلها) أي في الأوعية كلها، أي في الأوعية التي يستقى منها.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: قال القاضي: اختلف العلماء في الأخذ بهذه الأحاديث، فقال قوم: يحرم إمساك لحوم الأضاحي، والأكل منها بعد ثلاث، وأن حكم التحريم باق. قاله علي وابن عمر.
وقال جماهير العلماء: يباح الأكل والإمساك بعد الثلاث، والنهي منسوخ بهذه الأحاديث المصرحة بالنسخ [رواياتنا الخامسة وما بعدها] لاسيما حديث بريدة [روايتنا الرابعة عشرة] وهذا من نسخ السنة بالسنة، وقال بعضهم: ليس هو نسخاً، بل كان التحريم لعلة، فلما زالت زال، لحديث سلمة وعائشة [روايتنا الحادية عشرة والخامسة] وقيل: كان النهي الأول للكراهة، لا للتحريم، قال هؤلاء: والكراهة باقية إلى اليوم، ولكن لا يحرم، قالوا: ولو وقع مثل تلك العلة اليوم، فنزلت جماعة فقيرة على قوم قادرين شرعت مواساتهم، وحملوا على هذا مذهب علي وابن عمر، والصحيح نسخ النهي مطلقاً، وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة، فيباح اليوم الادخار فوق ثلاث، والأكل إلى متى شاء، لصريح حديث بريدة وغيره. اهـ
وحاصل ما ذكر في هذه المسألة ستة أقوال: