ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة، وبالظبي عن واحد، وبه قال داود في بقرة الوحش.
ثم قال: ومذهبنا ومذهب الجمهور أن أفضل الأنواع البدنة، ثم البقرة، ثم الضأن، ثم المعز، وقال مالك: الغنم أفضل، لأنها أطيب لحماً، وحجة الجمهور أن البدنة تجزئ عن سبعة، وكذا البقرة، وأما الشاة فلا تجزئ إلا عن واحد بالاتفاق، فدل ذلك على تفضيل البدنة والبقرة، واختلف أصحاب مالك فيما بعد الغنم؟ فقيل: الإبل أفضل من البقرة، وقيل: البقرة أفضل من الإبل، وهو الأشهر عندهم.
وقال: أما الجذع من الضأن فمذهبنا ومذهب العلماء كافة أنه يجزئ سواء وجد غيره أم لا، وحكوا عن ابن عمر والزهري أنهما قالا: لا يجزئ، وقد يحتج لهما بظاهر روايتنا الثالثة عشرة "لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن" قال: قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل، وتقديره: يستحب لكم ألا تذبحوا إلا مسنة، فإن عجزتم فجذعة ضأن، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن، وأنها لا تجزئ بحال، وقد أجمعت الأمة على أنه ليس على ظاهره، لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره، وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه، فتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب. اهـ
قال الحافظ ابن حجر: ويدل للجمهور الأحاديث الماضية قريباً، وكذا حديث أم هلال بنت هلال عن أبيها رفعه "يجوز الجذع من الضأن أضحية" أخرجه ابن ماجه، وحديث مجاشع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الجذع يوفي ما يوفي منه الثني" أخرجه أبو داود وابن ماجه وحديث عقبة بن عامر "ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن" أخرجه النسائي بسند قوي، وحديث أبي هريرة رفعه "نعمت الأضحية الجذعة من الضأن" أخرجه الترمذي، وفي سنده ضعف، ثم قال الحافظ: واختلف القائلون بإجزاء الجذع من الضأن -وهم الجمهور- في سنه، على آراء: أحدها أنه ما أكمل سنة، ودخل في الثانية، وهو الأصح عند الشافعية، وهو الأشهر عند أهل اللغة، ثانيها نصف سنة، وهو قول الحنفية والحنابلة، ثالثها سبعة أشهر، وقد حكي عن الحنفية، رابعها ستة أو سبعة، حكي عن وكيع، خامسها التفرقة بين ما تولد بين شايين، فيكون له نصف سنة، أو بين هرمين، فيكون ابن ثمانية، وقال صاحب الهداية: إنه إذا كانت الجذعة عظيمة بحيث لو اختلطت بالثنيات اشتبهت على الناظر من بعيد أجزأت، وقال العبادي من الشافعية: لو أجذع قبل السنة، أي سقطت أسنانه أجزأ، كما لو تمت السنة قبل أن يجذع، ويكون ذلك كالبلوغ، إما بالسن، أو بالاحتلام.
أما الجذعة من المعز، فإن الرواية الرابعة والخامسة تخصصان أبا بردة بإجزائها في الأضحية، وكذا عقبة بن عامر في الرواية الخامسة عشرة، وقد استشكل الحافظ ابن حجر وقوع الرخصة الثانية، باعتبار أن كلاً منهما صيغة عموم "ولا تصلح لأحد بعدك" فأيهما تقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني، قال: وأقرب ما يقال فيه: إن ذلك صدر لكل منهما في وقت واحد، أو تكون خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني، ولا مانع من ذلك، لأنه لم يقع في السياق استمرار المنع لغيره صريحاً، قال: وقد انفصل ابن التين -وتبعه القرطبي- عن هذا الإشكال باحتمال أن يكون