العتود كان كبير السن، بحيث يجزئ، لكنه قال ذلك بناء على أن الزيادة التي في آخره لم تقع له [يقصد قوله لعقبة: ولا رخصة فيها لأحد بعدك] ولا يتم مراده مع وجودها، مع مصادمته لقول أهل اللغة في العتود, وتمسك بعض المتأخرين بكلام ابن التين، فضعف الزيادة، وليس بجيد، فإنها خارجة من مخرج الصحيح.
ثم قال: وقد وقع في كلام بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة أو خمسة، واستشكل الجمع، وليس بمشكل، فإن الأحاديث التي وردت في ذلك ليس فيها التصريح بالنفي، إلا في قصة أبي بردة في الصحيحين، وفي قصة عقبة بن عامر في البيهقي، وأما ما عدا ذلك فلا، فقد أخرج أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان، من حديث زبير بن خالد "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه عتوداً جذعاً، فقال: ضح به، فقلت: إنه جذع أفأضحي به؟ قال: نعم. ضح به، فضحيت به".
وفي الطبراني في الأوسط، من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى سعد بن أبي وقاص جذعاً من المعز، فأمره أن يضحي به".
ولأبي يعلى والحاكم من حديث أبي هريرة "أن رجلاً قال: يا رسول الله، هذا جذع من الضأن مهزول، وهذا جذع من المعز سمين، وهو خيرهما، أفأضحي به؟ قال: ضح به، فإن لله الخير" قال الحافظ: وأما ما أخرجه ابن ماجه، من حديث أبي زيد الأنصاري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار: اذبحها، ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك" فهذا يحمل على أنه أبو بردة بن نيار، فإنه من الأنصار.
ثم قال الحافظ ابن حجر: والحق أنه لا منافاة بين هذه الأحاديث، وبين حديثي أبي بردة وعقبة، لاحتمال أن يكون ذلك في ابتداء الأمر، ثم تقرر الشرع بأن الجذع من المعز لا يجزي، واختص أبو بردة وعقبة بالرخصة في ذلك.
قال الفاكهي: ينبغي النظر في اختصاص أبي بردة بهذا الحكم، وكشف السر فيه، وأجيب بأن الماوردي قال: إن فيه وجهين: أحدهما أن ذلك كان قبل استقرار الشرع، فاستثنى، والثاني أنه علم من طاعته، وخلوص نيته ما ميزه عمن سواه. قال الحافظ: وفي الأول نظر، لأنه لو كان سابقاً لامتنع وقوع ذلك لغيره، بعد التصريح بعدم الإجزاء لغيره، والغرض ثبوت الأجزاء لعدد غيره، كما تقدم.
قال النووي: وفي الحديث أن جذعة المعز لا تجزي في الأضحية، وهذا متفق عليه. اهـ
قال الحافظ ابن حجر: في الحديث أن الجذع من المعز لا يجزي، وهو قول الجمهور، وعن عطاء وصاحبه الأوزاعي أنه يجوز مطلقاً، وهو وجه لبعض الشافعية، حكاه الرافعي، قال النووي: وهو شاذ أو غلط، وأغرب عياض، فحكي الإجماع على عدم الإجزاء، قيل: والإجزاء مصادر للنص، ولكن يحتمل أن يكون قائله قيد ذلك بمن لم يجد غيره، ويكون معنى نفي الإجزاء عن غير من أذن له في ذلك محمولاً على من وجد. اهـ