حيث توارد الجميع عليه، حتى يكثر، يصير مملولاً، فأطلقت عليه الكراهة لذلك، فحيث وصفه بكونه مشتهى أراد ابتداء حاله، وحيث وصفه بكونه مكروهاً أراد انتهاءه، ومن ثم استعجل بالذبح، ليفوز بتحصيل الصفة الأولى عند أهله وجيرانه. اهـ والتحقيق أن الذي صدر من أبي بردة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبارة واحدة، إما أنها "هذا يوم اللحم فيه مكروه" كما جاء في الرواية الخامسة والسادسة، وإما أنها "هذا يوم يشتهى فيه اللحم" كما جاء في الرواية العاشرة، والأخيرة هي التي تتفق مع السياق، فلا حرج من جعل الأولى غير صواب، ولا داعي للتعسفات في توجيهها، وبخاصة أن المسألة لا تتعلق بحكم شرعي تختلف فيه وجهات النظر. والله أعلم.

(وإني عجلت نسيكتي) أي ذبيحتي.

(لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري) عند البخاري "وذكر جيرانه" والمراد من "أهل داري" ما عنده من خدم وعمال، وفي الرواية السابعة "قد نسكت عن ابن لي" قال الحافظ ابن حجر: ظهر لي أن مراده أنه ضحى لأجله، للمعنى الذي ذكره في أهله وجيرانه، فخص ولده بالذكر لأنه أخص بذلك عنده، حتى يستغني ولده بما عنده من التشوف إلى ما عند غيره. اهـ وحاصل كلامه أن "عن" للتعليل، والمعنى قد نسكت متعجلاً لأجل إطعام ابن لي، وفي الرواية الحادية عشرة "وذكر هنة من جيرانه" بفتح الهاء وفتح النون مخففة، أي حاجة جيرانه إلى اللحم وفقرهم "كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقه" بتشديد الدال، وفي رواية البخاري "فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عذره" بفتح الذال مخففة، أي قبل عذره.

(فقال: يا رسول الله: إن عندي جذعة من المعز؟ فقال: ضح بها، ولا تصلح لغيرك) قال النووي: الجذع من الضأن ما له سنة تامة، هذا هو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم: وقيل: ما له ستة أشهر، وقيل: سبعة، وقيل: ثمانية، وقيل: عشرة. حكاه القاضي، وهو غريب، وقيل: إن كان متولداً من بين شابين فستة أشهر، وإن كان من هرمين فثمانية أشهر. اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: الجذعة بفتح الجيم والذال هو وصف لسن معينة، من بهيمة الأنعام، فمن الضأن ما أكمل السنة، وهو قول الجمهور، وأما الجذع من المعز فهو ما دخل في السنة الثانية، ومن البقر ما أكمل الثالثة، ومن الإبل ما دخل في الخامسة.

وفي الرواية الخامسة والتاسعة "إن عندي عناق لبن" بفتح العين، وهي الأنثى من المعز، إذا قويت، ما لم تستكمل سنة، وجمعها أعنق وعنوق، ومعنى "عناق لبن" أي أنثى معز صغيرة قريبة من الرضاع، "هي خير من شاتي لحم" أي أطيب لحماً، وأنفع، لسمنها، ونفاستها، وفي الرواية السابعة "إن عندي شاة خير من شاتين"؟ فأطلق الشاة على العنز، وفي الرواية الثامنة "عندي جذعة خير من مسنة" أي جذعة من المعز، والمسنة هي الثنية، وهي أكبر من الجذعة بسنة، وفي الرواية العاشرة "ليس عندي إلا جذعة" أي من المعز، وهل معنى "ضح بها، ولا تصلح لغيرك" أنها رخصة عند الضرورة؟ أو خصوصية لأبي بردة؟ سيأتي التفصيل في فقه الحديث، وفي الرواية الخامسة "هي خير نسيكتيك، ولا تجزي جذعة عن أحد بعدك" قال النووي: "ولا تجزي" بفتح التاء، هكذا الرواية فيه في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015