الحافظ ابن حجر: وقد استشكلت الإضافة في "شاة لحم" وذلك أن الإضافة قسمان، معنوية ولفظية، فالمعنوية إما مقدرة بمن، كخاتم حديد، أو باللام، كغلام زيد، أو بفي، كضرب اليوم، معناه ضرب في اليوم، وأما اللفظية فهي صفة مضافة إلى معمولها كضارب زيد، وحسن الوجه، ولا يصح شيء من الأقسام الخمسة في "شاة لحم" قال الفاكهي: والذي يظهر لي أن أبا بردة لما اعتقد أن شاته شاة أضحية، أوقع صلى الله عليه وسلم في الجواب قوله "شاة لحم" موقع قوله "شاة غير أضحية" اهـ قال العيني: هذا جواب غير مقنع، لظهور الإشكال فيه، وبقائه أيضاً، ويمكن أن يقال: إن الإضافة فيه بمعنى اللام، والتقدير: شاة واقعة لأجل اللحم، لا لأجل أضحية، لوقوع ذبحها في غير وقتها، وفي الرواية الخامسة "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعد نسكاً" وفي الرواية السابعة "ذاك شيء عجلته لأهلك" وفي الرواية الرابعة "من ضحى قبل الصلاة: فإنما ذبح لنفسه" أي وليس أضحية، وفي الرواية الثامنة "فإنما هو لحم، قدمه لأهله: ليس من النسك في شيء".
(فقال: يا رسول الله، إن هذا يوم، اللحم فيه مكروه) قال النووي: قال القاضي: كذا روينا في مسلم "مكروه" بالكاف والهاء، وكذا ذكره الترمذي، قال: ورويناه في مسلم من طريق العذري "مقروم" بالقاف والميم، قال: وصوب بعضهم هذه الرواية، وقال: معناه يشتهى فيه اللحم، يقال: قرمت إلى اللحم، وقرمت اللحم إذا اشتهيته، قال: وهي بمعنى قوله في غير مسلم "عرفت أنه يوم أكل وشرب، فتعجلت وأكلت، وأطعمت أهلي وجيراني" وكما جاء في الرواية الأخرى [روايتنا الحادية عشرة] "هذا يوم يشتهى فيه اللحم" وكذا رواه البخاري. قال القاضي: وأما رواية "مكروه" فقال بعض شيوخنا: الصواب "اللحم فيه مكروه" بفتح الحاء، أي ترك الذبح والتضحية وبقاء أهله فيه بلا لحم، حتى يشتهوه مكروه، واللحم بفتح الحاء اشتهاء اللحم. قال القاضي: وقال لي الأستاذ عبد الله بن سليمان: معناه: ذبح ما لا يجزئ في الأضحية مما هو لحم مكروه، لمخالفته السنة. هذا آخر ما ذكره القاضي، وقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني: معناه هذا يوم طلب اللحم فيه مكروه شاق. وهذا حسن. اهـ
قال الحافظ ابن حجر: وبالغ ابن العربي، فقال: الرواية بسكون الحاء هنا غلط، وإنما هو اللحم، بالتحريك، يقال: لحم الرجل، بكسر الحاء، يلحم بفتحها، إذا كان يشتهي اللحم، وأما القرطبي في المفهم فقال: تكلف بعضهم ما لا يصح رواية -أي اللحم بالتحريك- ولا معنى، وهو قول الآخر: معنى المكروه إنه مخالف للسنة، قال: وهو كلام من لم يتأمل سياق الحديث، فإن هذا التأويل لا يلائمه، إذ لا يستقيم أن يقول: إن هذا اليوم اللحم فيه مخالف للسنة، وإني عجلت لأطعم أهلي. قال: وأقرب ما يتكلف لهذه الرواية أن معناه: اللحم فيه مكروه التأخير، فحذف لفظ "التأخير" لدلالة قوله "عجلت".
قال الحافظ ابن حجر: ووقع في رواية منصور عن الشعبي "وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فأحببت أن تكون شائي أول ما يذبح في بيتي" قال الحافظ: ويظهر لي أنه بهذه الرواية يحصل الجمع بين الروايتين المتقدمتين، وأن وصفه اللحم بكونه مشتهى، وبكونه مكروهاً لا تناقض فيه، وإنما هو باعتبارين، فمن حيث إن العادة جرت فيه بالذبح فالنفس تتشوق له يكون مشتهى -ومن