(ونحن أربع عشرة مائة) قال النووي: هذا هو الأشهر، وفي رواية "ثلاث عشرة مائة" وفي رواية "خمس عشرة مائة".
وفي رواية البخاري "والحديبية بئر، فنزحناها، فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضا "عطش الناس يوم الحديبية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة، فتوضأ منها، ثم أقبل الناس نحوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لكم؟ قالوا: يا رسول الله، ليس عندنا ماء نتوضأ به، ولا نشرب إلا ما في ركوتك".
(فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية) الجبا بفتح الجيم وتخفيف الباء ما حول البئر، وفي كتب اللغة: ما حول الحوض والبئر من التراب، إذ هو مساعد على الجبو وجمع الماء، والركي بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء البئر، والمشهور "ركي" بغير هاء، ووقع هنا "الركية" بالهاء، وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره، وفي رواية البخاري "فجلس على شفيرها" وفي رواية أخرى له "فأتى البئر، وقعد على شفيرها".
(فإما دعا) ربه ليفيض عليهم الماء.
(وإما بصق فيها) مع الدعاء أيضا، قال النووي: هكذا هو في النسخ "بسق" بالسين، وهي صحيحة، يقال: بزق، وبصق، وبسق، ثلاث لغات بمعنى، والسين قليلة الاستعمال. اهـ.
وفي رواية للبخاري "ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ، ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها" وفي أخرى له "ثم قال: ائتوني بدلو من مائها، فأتي به، فبصق، فدعا، ثم قال: دعوها ساعة" وفي دلائل البيهقي "أنه أمر بسهم، فوضع في قعر البئر، فجاشت بالماء" وفي رواية له عن جابر "فقيل لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا".
(فجاشت) أي ارتفع ماؤها وفاض، يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا إذا ارتفع.
(فسقينا واستقينا) أي فسقينا أنفسنا ودوابنا، وأخذنا من مائها في أوعيتنا، يقال: استقى من البئر إذا أخذ من مائها، ويقال: استقى المعارف والأخبار من كذا، أي استمدها وحصل عليها من كذا، وفي رواية للبخاري "فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا"
(ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشجرة) بيعة الرضوان، وقد سبق الكلام عنها في غزوة الحديبية.
(قال: وأيضا) أي وبايع في وسطهم أيضا، يقال: آض يئيض أيضا، أي عاد، وهو هنا مصدر منصوب بفعله المحذوف، والجملة معطوفة على محذوف معلوم، أي بايعت أول الناس، وتبايع في وسطهم عودا.
(فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة أو درقة) الحجفة الترس من جلود بلا خشب ولا رباط من عصب، والدرقة شبيهة بها.