فلان" الغطفاني "جزورا، فلما كشفوا جلدها" وسلخوها، ليشووا لحمها، ليأكلوا "رأوا غبارا" ظنوه المسلمين "فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا" من مضرب مضيفهم "هاربين" نحو مضاربهم مذعورين "فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا" بتشديد الجيم، جمع رجال بتشديد الجيم، أي المشاة على أرجلهم "سلمة، قال: ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين، سهم الفارس، وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعا" قال النووي: هو محمول على أن الزائد على سهم الراجل كان نفلا، وهو جدير بالنفل ومستحق له رضي الله عنه، لبديع صنعه في هذه الغزوة.
(ثم رجعنا) أي نحو المدينة، أي أردنا الرجوع، وقصدنا الرجوع، ففيه مجاز المشارفة.
(ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته) فيه التعبير عن الماضي بالمضارع لاستحضار الصورة.
وفي الرواية الثانية "ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء، راجعين إلى المدينة".
(حتى دخلنا المدينة) وهنا أيضا طي لأحداث بينتها الرواية الثانية، ففيها "قال: فبينما نحن نسير -وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا" أي عدوا على رجليه "قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك" متحديا "قال: فلما سمعت كلامه قلت" له: "أما تكرم كريما"؟ أي أما تحترم الناس، وتراعي مشاعر الكرماء منهم؟ "ولا تهاب شريفا"؟ أي أما تعمل حسابا لكبار القوم وأشرافهم؟ "قال: لا، إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: يا رسول الله، بأبي وأمي، ذرني" أنزل عن ناقتك "فلأسابق الرجل. قال: إن شئت. قال: قلت" للرجل: "اذهب" أي ابدأ الجري والسباق "إليك" أي خذ البداية "وثنيت رجلي" أي بدأت الجري، والجري لا يكون إلا بثني الرجلين، واحدة بعد الأخرى "فطفرت" أي فقفزت ووثبت "فعدوت" أي فجريت، قال: فربطت عليه" نفسي، يقال: ربط نفسه عن كذا، أي منعها "شرفا أو شرفين" والشرف ما ارتفع من الأرض، والمعنى توقفت عن الجري حتى سبقني مرتفعا أو مرتفعين والأرض إلى المدينة ارتفاع وانخفاض "أستبقى نفسي" بإسكان الفاء، أي احفظها من أن يضربها استمرار الجري، "ثم عدوت في إثره" حتى قربت منه "فربطت نفسي شرفا أو شرفين، ثم إني رفعت" درجة العدو "حتى ألحقه" أي حتى لحقته "فأصكه" أي فصككته "بين كتفيه، قلت: قد سبقت والله" فيه التعبير عن المضارع بالماضي لتحقق الوقوع، والمراد ستسبق والله "قال: أنا أظن" ذلك، أي أعتقد أنني سأسبق، وأنت ستكون السابق. "قال: فسبقته إلى المدينة".
فقوله في الرواية الأولى "ويردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته حتى دخلنا المدينة" فيه طي، و"حتى" ليست غاية للإرداف، بل هي غاية لمحذوف، كما وضح من الرواية الثانية.
(قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قصة الحديبية قصة أخرى، لا علاقة لها بغزوة ذي قرد، ذكرها سلمة محدثا عن نفسه، وعن بطولته، كما كان أمره في غزوة ذي قرد، وغزوة الحديبية قد تقدمت. والمراد من الحديبية هنا بئرها، لقوله فيما بعد "وعليها خمسون شاة لا ترويها".