تابعا وخادما لطلحة بن عبيد الله أخدم فرسه وأسقيه وأرعاه وآكل من طعامه وأشرب من شرابه فقد تركت أهلي ومالي في مكة، وهاجرت خاليا في سبيل الله.
يحكى لنا عن مواقفه البطولية المشرفة في معركة غزوة ذي قرد في الرواية الأولى، وعن مواقفه وشجاعته في غزوة الحديبية في الرواية الثانية، ويحكى لنا صورة الحب والوفاء لعمه عامر في غزوة خيبر في آخر الرواية الثانية.
وقارئ هذه الأحاديث يدرك معناها ومغزاها، ولا يحتاج إلى المعنى العام، لكننا سنضع للقارئ علامات على الطريق، وأضواء ومصابيح على المنحنيات.
فسبب غزوة ذي قرد أن المشركين من غطفان أغاروا على إبل الصدقة التي هي في حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم أغاروا عليها، وهي ترعى في الكلأ خارج المدينة، يرعاها ويشرف على رعيها غلام صغير، استاقوها وأخذوها كلها، وقتلوا راعيها، كان سلمة قريبا من مكان الجريمة معه فرس طلحة يرعى ويشرب، جاءه غلام يدعى رباح، فأخبره بالحادثة، وهنا تظهر بطولة سلمة وشهامته وذكاؤه، مجموعة من الرجال قد يصل عددهم إلى الثلاثين، ومعهم أسلحتهم، وهم كقطاع الطريق، نهبوا نهبا وساروا به نحو مضاربهم، وهي في ناحية، والمدينة في الناحية الأخرى. ماذا يفعل؟ أيذهب إلى المدينة يستصرخ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، ليهبوا لإنقاذ إبلهم؟ إذن يكون المنتهبون قد فروا بنهبتهم، أم يجري وحده خلف اللصوص؟ وقد يضحي بنفسه ولا ينفذ شيئا؟ وماذا يفعل مع فرس طلحة وهو ليس بفارس؟ وكيف يعرضه للضياع وهو لا يملكه؟
إن الذكاء والحيلة وحسن التصرف في مثل هذه المواقف خير سلاح. قال للغلام: خذ هذه الفرس، فأبلغه إلى صاحبه طلحة، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخبر، ثم صعد على جبل ووجهه إلى المدينة، وصرخ يا صباحاه، يا صباحاه. صوت معلوم عندهم للنجدة، سمعه النبي صلى الله عليه وسلم فعبأ أصحابه، وبلغهم الغلام الخبر، فهبوا. أما سلمة فتبع القوم، يرميهم بالنبال من بعيد، فيجرون، وتشرد منهم الإبل فيخليها خلفه، ويتخففون مما يحملون، فيلقون الأغطية والرماح فيستولى عليها سلمة ويضع عليها أحجارا بطريقة خاصة، يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهي في الوقت نفسه علامات لهم على الطريق المسلوك ليتابعوه، منذ الصباح وحتى الليل وسلمة يتابع القوم، وهم يجرون أمامه، حتى وصلوا إلى ماء ذي قرد، وهم وما معهم من الإبل عطاش، فنزلوا يشربون، فأمطرهم سلمة بوابل من النبل فتركوا البئر وهم عطاش. ولحقه جيش الرسول صلى الله عليه وسلم، ونزلوا عند البئر، وقد استنقذت إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعها غنائم المشركين، ثم رجعوا إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يردف سلمة خلفه على ناقته، وقد أعطاه من الغنيمة سهمين، بدلا من سهم واحد.
أما موقفه في غزوة الحديبية فهو يحكي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه أن يبايع بيعة الرضوان ثلاث مرات، في أول القوم، وفي أوسطهم، وفي آخرهم، ويحكي لنا معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في امتلاء البئر بالماء بعد أن نضب، ويحكي لنا عن المشركين الأربعة الذي عابوا واغتابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسرهم، وأخذ سلاحهم، وسلمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحكي لنا أنه -بناء على إشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم- قام بالصعود