وقال بعض الشراح: مثال التنطع في السؤال حتى يفضى بالمسئول إلى الجواب بالمنع بعد أن يفتى بالإذن أن يسأل عن السلع التي توجد في الأسواق هل يجوز له أن يشتري سلعة مجهول مصدرها عند البائع فيجاب بنعم يجوز فإذا سأل: أخشى أن تكون مسروقة أو منهوبة ونحن في زمن يكثر فيه ذلك فيجاب بلا لا تشتر لأنك إن جزمت بأن مصدرها حرام الشراء وإذا تشككت كره أو كان خلاف الأولى.

وإذا تقرر ذلك فمن يسد باب المسائل حتى يفوته كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريع المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف.

وأظهر الأنواع مناسبة في هذا الحديث النوع الأول والله أعلم.

وأما إضاعة المال: فالأكثرون حملوه على الإسراف في الإنفاق وقيده بعضهم بالإنفاق في الحرام والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعا سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه لأن الله تعالى جعل الأموال قياما لمصالح العباد وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها وإما في حق غيره ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقا أخرويا أهم منه.

قال الحافظ ابن حجر: والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه الأول إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعا فلا شك في منعه والثاني إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعا فلا شك في كونه مطلوبا بالشروط المذكورة والثالث إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس فهذا ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله فهذا ليس بإسراف والثاني مالا يليق به عرفا وهو ينقسم أيضا إلى قسمين أحدهما ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة أو متوقعة فهذا ليس بإسراف والثاني ما لا يكون في شيء من ذلك فالجمهور على أنه إسراف وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف قال: لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح وإذا كان في غير معصية فهو مباح له قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قال. اهـ. وقد صرح بالمنع القاضي حسين وتبعه الغزالي وجزم به الرافعي وفي المحرر أنه ليس بتبذير وتبعه النووي.

قال الحافظ ابن حجر: والذي يترجح أنه ليس مذموما لذاته لكنه يفضي غالبا إلى ارتكاب المحذور كسؤال الناس وما أدى إلى المحذور فهو محذور نعم يجوز التصدق بجميع المال لمن عرف من نفسه الصبر على المضايقة وجزم الباجي من المالكية بمنع استيعاب جميع المال بالصدقة قال: ويكره كثرة إنفاقه في مصالح الدنيا ولا بأس به إذا وقع نادرا لحادث يحدث كضيف أو عيد أو وليمة ومما لا خلاف في كراهته مجاوزة الحد في الإنفاق على البناء زيادة على قدر الحاجة ولا سيما إن أضاف إلى ذلك المبالغة في الزخرفة.

ويدخل في إضاعة المال سوء الإنفاق على الرقيق والبهائم حتى تهلك ودفع المال لمن لا يؤمن منه الرشد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015