وورد فيه وعيد شديد ففي البخاري "ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه قزعة لحم" أي قطعة لحم وفي مسلم "من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا" وعند الترمذي "ومن سأل الناس ليثري ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر" وعند الطبراني "لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه -أي يبلى وجهه- فلا يكون له عند الله وجه".
النوع الثاني: كثرة السؤال عن أخبار الناس.
والنوع الثالث: كثرة سؤال إنسان بعينه عن تفاصيل أموره وأحواله.
وهذان النوعان واضحان في النهي عنهما لكنهما في ضعف أهميتهما يبعد أن يكونا المرادين من هذا الحديث.
النوع الرابع: السؤال عن أمور غير مهمة قد يؤذي جوابها كقول رجل دعي إلى غير أبيه قال: "يا رسول الله .. من أبي .. " لو أن هذا الرجل قدر أنه في نفس الأمر لم يكن لأبيه فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أباه الحقيقي لافتضح وافتضحت أمه.
ورجل آخر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مصير أبيه الذي مات وألح في السؤال فكان الجواب: أبوك في النار.
النوع الخامس: سؤال التنطع والتكلف وتتبع الغرائب والأغلوطات والتقعر في المسائل العلمية.
قال بعض الأئمة: والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه من المجتهدين.
ثانيهما: أن يدقق النظر في وجوه الفروق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع مع وجود وصف الجمع أو بالعكس فيجمع بين متفرقين بوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث ابن مسعود رفعه "هلك المتنطعون" أخرجه مسلم.
فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التخريج على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما إن لزم من ذلك إغفال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة إلى أمثال ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل الصرف والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث.
وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة كحديث أبي هريرة رفعه "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا. الله خلق الخلق فمن خلق الله"؟