وقال السبكي الكبير: الضابط في إضاعة المال أن لا يكون لغرض ديني ولا دنيوي فإن انتفيا حرم قطعا وإن وجد أحدهما وجودا له بال وكان الإنفاق لائقا بالحال ولا معصية فيه جاز قطعا وبين الرتبتين وسائط كثيرة لا تدخل تحت ضابط فعلى المفتي أن يرى فيها رأيه.
فالإنفاق في المعصية حرام كله ولا نظر إلى ما يحصل في مطلوبه من قضاء شهوة ولذة حسنة وأما إنفاقه في الملاذ المباحة وهو موضع الاختلاف فظاهر قوله تعالى {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} [الفرقان: 67] أن الزائد الذي لا يليق بحال المنفق إسراف ثم قال: وبذل مال كثير في غرض يسير تافه عده العقلاء مضيعا والله أعلم.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
1 - قال النووي: عن قوله "نهي عن ثلاث قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" هذا الحديث دليل لمن يقال: إن النهي لا يقتضي التحريم والمشهور أنه يقتضي التحريم وهو الأصح ويجاب عن هذا بأنه خرج بدليل آخر.
2 - واستدل النووي بكتابة المغيرة إلى معاوية "سلام عليك أما بعد" على استحباب المكاتبة على هذا الوجه فيبدأ بـ"سلام عليك" كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل: السلام على من اتبع الهدى.
3 - وفي مكاتبة المغيرة حجة على من لم يعمل في الرواية بالمكاتبة قال الحافظ ابن حجر: اعتل بعضهم بأن العمدة حينئذ على الذي بلغ الكتاب كأن يكون الذي أرسله أمره أن يوصل الكتاب وأن يبلغ ما فيه مشافهة وتعقب بأن هذا يحتاج إلى نقل وعلى تقدير وجوده تكون الرواية عن مجهول ولو فرض أنه ثقة عند من أرسله ومن أرسل إليه فتجيء فيه مسألة التعديل على الإبهام والمرجح عدم الاعتداد به.
4 - قال الطيبي: هذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق وهو تتبع جميع الأخلاق الحميدة والخلال الجميلة.
والله أعلم.