ودوافع هذه المسألة مختلفة.
الدافع الأول: مسألة الفقير المحتاج العاجز عن الكسب عجزا لا دخل له فيه والمسألة في هذه الحالة مباحة والمطلوب من صاحبها الرفق في السؤال وعدم الإلحاح وعدم الاستكثار والأولى له العفة والصبر على الحاجة ما أمكن فقد مدح الله هذا الصنف بقوله {وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} [البقرة: 272 وما بعدها].
والخلاف بين الفقهاء في حدود الفقير المحتاج الذي يباح له السؤال وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في تحديده "ليس المسكين الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه" وقد اتفقوا على أن من استطاع ضربا في الأرض وكان قادرا على الاكتساب فهو غني وهو واجد نوعا من الغنى وقد قال تعالى في وصف الفقراء {لا يستطيعون ضربا في الأرض} [البقرة: 273].
تقول: إن الخلاف بين الفقهاء في حدود الفقير المحتاج الذي يباح له السؤال فقال بعضهم: أن الفقير من لا يملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب واستندوا إلى حديث ضعيف رواه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا "من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهما أو قيمتها من الذهب".
وقال بعضهم: إن الفقير هو من لا يملك قوت يومه واستندوا إلى حديث رواه أبو داود وصححه ابن حبان عن سهل ابن الحنظلية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه".
وقال أبو حنيفة: إن الغني من ملك نصابا.
وقال الشافعي: قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله.
الدافع الثاني: مسألة الفقير المحتاج القادر على الكسب وهي المقصودة من الحديث والأصح عند الشافعية أن سؤال من هذا حاله حرام وينظر فيمن يعطيه هل يكون معينا ومساعدا على الحرام؟ أميل إلى هذا إذا تأكد من حاله.
وإنما قبح الشارع السؤال سواء أعطى المسئول السائل أو منعه لما يدخل على السائل من ذل السؤال وعظم المنة إذا أعطى ومن ذلك السؤال والخسة والحرمان إذا لم يعط ولما يدخل على المسئول من الضيق في ماله إذا أعطى ومن الحرج إذا لم يعط.
الدافع الثالث: من يسأل ليجمع الكثير من غير احتياج إليه وهذا النوع حرام باتفاق