وحجة الجمهور الأخذ بأقل ما ينطلق عليه الاسم، لأن اليد قبل السرقة كانت محترمة، فلما جاء النص بقطع اليد، وكانت تطلق على هذه المعاني، وجب أن لا يترك المتيقن، وهو تحريمها إلا بمتيقن، وهو القطع من الكف.
الأمر الرابع الذي اختلف فيه العلماء من سرق ثانيًا وثالثًا ورابعًا بعد أن قطع، قال الجمهور: من سرق أولا قطعت يده اليمنى، فإن سرق ثانيًا قطعت رجله اليسرى - من المفصل بين الساق والقدم - فإن سرق ثالثًا قطعت يده اليسرى، فإن سرق رابعًا قطعت رجله اليمنى. واحتجوا بآية المحاربة، وبفعل الصحابة، وبأنهم فهموا من الآية أنها في المرة الواحدة، فإن عاد السارق وجب عليه القطع ثانيًا، إلى أن لا يبقى له ما يقطع، ثم إن سرق عزر وسجن، وقيل: يقتل في الخامسة استدلالاً بحديث منكر.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
1 - استدل بالأحاديث وبالآية على أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، لأن آية السرقة نزلت في سارق رداء صفوان، أو سارق المجن، وعمل بها الصحابة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم في غيرهما من السارقين.
2 - واستدل بالقطع في المجن على مشروعية القطع في كل ما يتمول، قياسًا، واستثنى الحنفية ما يسرع إليه الفساد، وما أصله الإباحة، كالحجارة واللبن والخشب والملح والتراب والكلأ والطير، وفيه رواية عن الحنابلة، والراجح عندهم في مثل السرجين القطع، تفريعًا على جواز بيعه.
3 - ومن الرواية السابعة قال القاضي عياض: جوز بعضهم لعن المعين، ما لم يحد، لأن الحد كفارة، قال: وليس هذا بسديد، لثبوت النهي عن اللعن في الجملة، فحمله على المعين أولى، وقال ابن بطال: لا ينبغي تعيين أهل المعاصي، ومواجهتهم باللعن، وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل ذلك، ليكون ردعًا لهم، وزجرًا عن انتهاك شيء منها، ولا يكون لمعين، لئلا يقنط. وقيل: إن لعن النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المعاصي كان تحذيرًا لهم، قبل وقوعها، فإذا فعلوها استغفر لهم، ودعا لهم بالتوبة، وأما من أغلظ له، ولعنه تأديبًا على فعل فعله، فقد دخل في عموم شرطه، حيث قال: "سألت ربي أن يجعل لعني له كفارة ورحمة" هذا إذا صدر في حق من ليس له بأهل. قال النووي: في هذا الحديث دليل لجواز لعن غير المعين، من العصاة، لأنه لعن للجنس، لا لمعين ولعن الجنس جائز، كما قال الله تعالى {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] وأما المعين فلا يجوز لعنه.
4 - ومن الرواية الثامنة وما بعدها قال النووي: في هذه الأحاديث تحريم الشفاعة في الحد، بعد بلوغه إلى الإمام، وقد أجمع العلماء عليه، وعلى أنه يحرم التشفيع فيه، فأما قبل بلوغه إلى الإمام فقد أجاز الشفاعة فيه أكثر العلماء، إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان لم يشفع فيه، وأما المعاصي التي لا حد فيها، وواجبها التعزير، فتجوز الشفاعة والتشفيع فيها، سواء بلغت الإمام أم لا، لأنها أهون، ثم الشفاعة فيها مستحبة، إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب أذى ونحوه. اهـ.