ويؤيد هذا ما جاء في بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأسامة، لما شفع في المرأة "لا تشفع في حد، فإن الحدود إذا انتهت إلي فليس لها مترك" وفي بعض الأحاديث "تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد، فقد وجب" صححه الحاكم. وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير، قال "لقي الزبير سارقًا، فشفع فيه، فقيل له: حتى يبلغ الإمام. فقال: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع" وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عكرمة أن ابن عباس وعمارًا والزبير أخذوا سارقًا، فخلوا سبيله، قال عكرمة: فقلت لابن عباس: بئسما صنعتم حين خليتم سبيله. فقال: لا أم لك. أما لو كنت أنت لسرك أن يخلى سبيلك" وهذا إذا لم يكن محترفًا، وكان من ذوي الهيئات، فعند أحمد عن عائشة مرفوعًا "أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم إلا في الحدود".
5 - وفي الحديث منقبة لأسامة رضي الله عنه. وكان يومئذ غلامًا.
6 - من قوله "وايم الله" جواز الحلف من غير استحلاف، وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب، كما في الحديث.
7 - استدل بالرواية العاشرة على أن جحد العارية يقطع به كالسرقة، وبه قال أحمد وإسحق، وجماهير العلماء وفقهاء الأمصار على أنه لا قطع على من جحد العارية، وقد سبق في المباحث العربية مزيد لهذه المسألة، وفرق العلماء بين السرقة وبين النهب والاختلاس، حيث يقطع في السرقة، ولا يقطع فيهما، فقال القاضي عياض: صان الله تعالى الأموال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة، كالاختلاس والانتهاب والغصب، لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع، بالاستدعاء إلى ولاة الأمور، وتسهل إقامة البينة عليه، بخلاف السرقة، فإنها تندر إقامة البينة عليها، فعظم أمرها، واشتدت عقوبتها، ليكون أبلغ في الزجر عنها. اهـ أقول: ثم إن باب التعزير واسع، وعقوبته متنوعة متروكة لولي الأمر، وقد بلغ به بعض الفقهاء الإلقاء من شاهق الجبل.
8 - استشكل أبو العلاء المعري على قطع اليد في سرقة ربع دينار مع أن ديتها خمسمائة دينار، فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت
ما بالها قطعت في ربع دينار؟
وأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي، بأنها لما كانت نظيفة نزيهة كانت غالية، ولما تدنست بالسرقة رخصت، فقال:
صيانة العضو أغلاها، وأرخصها
صيانة المال، فافهم حكمة الباري
وشرح ذلك الحافظ ابن حجر، فقال: إن الدية لو كانت ربع دينار لكثرت الجنايات على الأيدي، ولو كان النصاب للقطع في السرقة خمسمائة دينار لكثرت الجنايات على الأموال، فظهرت الحكمة في الجانبين، وكان في ذلك صيانة من الطرفين.
واللَّه أعلم