وقد كان الدائن في الجاهلية يستعبد المدين ويسترقه إذا جاء الأجل فلم يسدد، فجاء الإسلام، لا بإمهال المدين فحسب، بل وبالحط عنه بعض الدين، وليس بالربا وزيادة الدين.
وعن هذه الصورة تتحدث روايتنا السابعة والثامنة والتاسعة والرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة.
وقد اختلف العلماء في حد الموسر والمعسر، فقال الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحق: من عنده خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب فهو موسر، وقال الشافعي: قد يكون الشخص بالدرهم غنيًا بكسبه، وقد يكون فقيرًا بالألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله، وقيل: الموسر من يملك نصاب الزكاة، وقيل: الموسر من لا يحل له الزكاة، وقيل: الموسر من يجد فاضلاً عن ثوبه ومسكنه وخادمه ودينه وقوت من يمونه، وعند الحنفية: الغنى على ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: الغنى الذي يتعلق به وجوب الزكاة. المرتبة الثانية: الغنى الذي يتعلق به وجوب صدقة الفطر والأضحية وحرمان الأخذ من الزكاة، وهو أن يملك ما يفضل عن حوائجه الأصلية ما يبلغ قيمة مائتي درهم، مثل دور لا يسكنها، وحوانيت يؤجرها، ونحو ذلك. والمرتبة الثالثة: غنى حرمة السؤال. قيل: أن يكون عنده ما قيمته خمسون درهمًا، وقال عامة العلماء: إن من ملك قوت يومه وما يستر به عورته يحرم عليه السؤال، وكذا الفقير القوي المكتسب يحرم عليه السؤال. قال العيني: هذا كله في حق من يجوز له السؤال، وأخذ الصدقة ومن لا يجوز، وأما ههنا - أعني في إنظار الموسر - فالاعتماد على أن الموسر والمعسر يرجعان إلى العرف، فمن كانت حاله بالنسبة إلى مثله يعد يسارًا فهو موسر، وكذا عكسه. اهـ.
الصورة الثالثة: المفلس، وسداد ديونه للغرماء، ومن باعه شيئًا فوجد متاعه عنده بعينه لم يتصرف فيه. وعن هذه الصورة تتحدث روايتنا العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة.
وهذه الصورة يقول عنها النووي: اختلف العلماء فيمن اشترى سلعة، فأفلس، أو مات قبل أن يؤدي ثمنها، ولا وفاء عنده، وكانت السلعة باقية بحالها، فقال الشافعي وطائفة: بائعها بالخيار، إن شاء تركها وضارب مع الغرماء بثمنها، وإن شاء رجع فيها، واستردها بعينها. سواء في حالة الإفلاس أو حالة الموت، وقال أبو حنيفة: لا يجوز له الرجوع فيها، بل تتعين المضاربة. وقال مالك: يرجع في صورة الإفلاس، ويضارب في حالة الموت، واحتج الشافعي بهذه الأحاديث، وبحديث أبي داود وغيره في حالة الموت. وتأولها أبو حنيفة تأويلات ضعيفة مردودة، وتعلق بشيء يروى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وليس بثابت عنهما. اهـ.
وهذا الذي أشار إليه النووي شرحه العيني بإسهاب، نقتطف منه ما يناسب المقام، ومن أراد المزيد فليرجع إليه. قال: احتج بهذا الحديث عطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وطاوس والشعبي والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحق وداود. كلهم قالوا: إذا أفلس الرجل وعنده متاع قد اشتراه، وهو قائم بعينه فإن صاحبه أحق به من غيره من الغرماء، [وهناك بينهم بعد ذلك خلافات في فروع المسألة، سنأتي على بعضها فيما يؤخذ من الحديث] وذهب إبراهيم النخعي والحسن البصري والشعبي في رواية ووكيع بن الجراح وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر إلى أن بائع السلعة أسوة