قبل بدو الصلاح أو بعده، وسواء شرط المشتري بقاءها على الشجر لحين استلامها، أم لم يشترط، لكن الرواية الثانية والثالثة ربطت هذا الحكم بالنهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، ومفهومه أن ضمان البائع لها إنما هو في حالة بيعها قبل بدو الصلاح، وقد قلنا قبل ثلاثة أبواب: إن علة النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها أن الثمرة قد تتلف بعد البيع وقبل النضج، بل هي معرضة لذلك كثيرًا، فيكون البائع قد أكل مال أخيه. وقلنا: إن البيع قبل بدو الصلاح بدون شرط القطع الفوري باطل عند عامة العلماء. ومعنى هذا أن الثمرة قبل بدو صلاحها في ذمة البائع، فإذا تلفت لم يحل له من مال المشتري شيئًا، وهذا ما يقوله عامة العلماء، لم يخالف في ذلك إلا شاذ.

والخلاف المنتشر في بيع الثمرة بعد بدو صلاحها إذا تلفت، وقد خلى البائع بين المشتري وبينها.

فقال الشافعي في القديم وأحمد وطائفة: هي في ضمان البائع، ويجب وضع الجائحة، إلا إذا تلفت بعد أوان الجذاذ، وفرط المشتري في تركها بعد ذلك على الشجر، واحتجوا بروايتنا الخامسة ولفظها "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح" وبروايتنا الأولى، ولفظها "لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا. بم تأخذ مال أخيك بغير حق"؟ أي لو تلف الثمر لانتفى في مقابلته العوض، فأخذ مال المشتري في هذه الحالة أخذ بلا مقابل، فهو بغير حق.

وقالوا: إن الثمرة في هذه الحالة في معنى الباقية في يد البائع، من حيث إنه يلزم بسقيها، فكأنها تلفت في يده قبل القبض، كما استندوا إلى قوله صلى الله عليه وسلم في روايتنا السادسة للغرماء، وفيهم البائعون "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" ولو كانت الجوائح لا توضع لكان لهم طلب بقية الثمن.

وقال الشافعي في أصح قوليه وأبو حنيفة والليث بن سعد وآخرون: هي في ضمان المشتري، ولا يجب وضع الجائحة، بل تستحب، واحتجوا بروايتنا الخامسة، قالوا: لو وجب وضع الجائحة لقال صلى الله عليه وسلم للبائعين: لا حق لكم عنده، ولما أمر بالتصدق عليه، لسداد ثمن الثمار، أما قوله "ليس لكم إلا هذا" فمعناه ليس لكم الآن إلا هذا، فقد أخذتم كل ما وجد، ولا تحل لكم مطالبته ما دام معسرًا، بل عليكم أن تنظروه إلى ميسرة، وحملوا الأمر بوضع الجوائح على الاستحباب، أو فيما إذا بيع قبل بدو الصلاح.

وقال مالك: إن كانت الجائحة في دون ثلث الثمار وجب وضعها، وإن كانت في الثلث فأكثر لا يجب وضعها، بل يجب حينئذ وضع الجائحة في حدود ثلث الثمار المشتراة، ولعله بذلك يتوسط بين القول بضمان البائع وبين القول بضمان المشتري، وأن التلف خارج عن مسئوليتهما معًا. واللَّه أعلم.

الصورة الثانية: التيسير على المدين، بوضع جزء من الدين عنه، أو بتأجيل الاستيفاء، أو بهما معًا، ووجه دخول هذه الصورة في كتاب البيع أن الدين قد يكون عن طريق البيع،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015