ومالك والجمهور، وقال أبو حنيفة والأوزاعي: يجوز التلقي إذا لم يضر بالناس، فإن أضر كره، والصحيح الأول، للنهي الصريح. قال أصحابنا: وشرط التحريم أن يعلم النهي عن التلقي، ولو لم يقصد التلقي، بل خرج لشغل، فاشترى منه، ففي تحريمه وجهان لأصحابنا، وقولان لأصحاب مالك، أصحهما عند أصحابنا التحريم، لوجود المعنى، ولو تلقاهم وباعهم ففي تحريمه وجهان، وإذا حكمنا بالتحريم فاشترى صح العقد. قال العلماء: وسبب التحريم إزالة الضرر عن الجالب، وصيانته ممن يخدعه. قال المازري: فإن قيل: المنع من بيع الحاضر للبادي سببه الرفق بأهل البلد، واحتمل فيه غبن البادي، والمنع من التلقي ألا يغبن البادي، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم "فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار"؟ فالجواب: أن الشرع ينظر في مثل هذه المسائل إلى مصلحة الناس، والمصلحة تقتضي أن ينظر للجماعة على الواحد، لا للواحد على الجماعة، ولا للواحد على الواحد، فلما كان البادي إذا باع بنفسه انتفع جميع أهل السوق، واشتروا رخيصًا، فانتفع به جميع سكان البلد نظر الشرع لأهل البلد على البادي، ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصة، وهو واحد في قبالة واحد لم يكن في إباحة التلقي مصلحة، لا سيما إذا انضاف إلى ذلك علة ثانية، وهي لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد المتلقي عنهم بالرخص، وقطع المواد عنهم، وهم أكثر من المتلقي، فنظر الشرع لهم عليه، فلا تناقض بين المسألتين، بل هما متفقتان في الحكمة والمصلحة. اهـ.

ثم قال النووي: قال أصحابنا: "فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" معناه لا خيار له قبل أن يقدم، ويعلم السعر، فإذا قدم وعلم السعر وكان الشراء بأرخص من سعر البلد ثبت له الخيار، سواء أخبر المتلقي بالسعر كاذبًا أم لم يخبر، وإن كان الشراء بسعر البلد أو أكثر فوجهان. الأصح: لا خيار له لعدم الغبن، وقيل: له الخيار، لإطلاق الحديث.

وجزم البخاري بأن البيع مردود، بناء على أن النهي يقتضي الفساد، قال الحافظ ابن حجر: لكن محل أن النهي يقتضي الفساد عند المحققين فيما يرجع إلى ذات المنهي عنه، لا ما إذا كان يرجع إلى أمر خارج عنه فيصح البيع، ويثبت الخيار بشروطه. ولا يلزم من كون صاحبه عاصيًا أن يكون البيع مردودًا لأن النهي لا يرجع إلى نفس العقد، ولا يخل بشيء من أركانه وشرائطه، وإنما هو لدفع الإضرار بالركبان، والقول ببطلان البيع صار إليه بعض المالكية وبعض الحنابلة، والجمهور على صحة البيع، فإن وجود الخداع والمعصية في المصراة لم يبطل بيعها، وحديث "فإن كذبا وكتمًا محقت بركة بيعهما" لم يبطل بيعهما بالكذب وكتمان العيب.

وقد اختلف العلماء في تحديد مسافة مبدأ التلقي ونهايته، وجهة المتلقي البداية، وجهة الجالب نهاية المتلقي، فقال الحافظ ابن حجر: الظاهر أنه لا يحد لانتهائه من جهة الجالب. اهـ ومعنى ذلك أن المتلقي لو ذهب إلى بلد الجالب الذي كان يقصد سوقًا معينة، ودخل بيته، واشترى منه، يعتبر متلقيًا. وفي هذا نظر.

ثم قال: وابتداء الخروج من جهة المتلقي من السوق، فعن ابن عمر قال: "كانوا يبتاعون الطعام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015