في أعلى السوق - أي في مساحة خارجة عن السوق - فيبيعونه في مكانه، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه" قال الشافعية: إن خرج عن السوق، ولم يخرج من البلد لا يدخل في النهي، وحد ابتداء التلقي عندهم الخروج من البلد، والمعنى فيه عندهم أنهم إذا قدموا البلد أمكنهم معرفة السعر، وطلب الحظ لأنفسهم، فإن لم يفعلوا ذلك فهو من تقصيرهم، وأما إمكان معرفتهم ذلك قبل الدخول فنادر. والمعروف عند المالكية اعتبار السوق مطلقًا، كما هو ظاهر الحديث، وهو قول أحمد وإسحق، وعن الليث كراهة التلقي، ولو في الطريق، ولو على باب البيت، حتى تدخل السوق، ويؤيده رواية "ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها السوق". اهـ.
والتحقيق أن العرف يعتمد في هذه المسألة، فالمستوردون يسافرون إلى المصانع في بلادها ويشترون، ولا نظنهم يدخلون في النهي، والمصدرون يرسلون البضائع إلى بيوت المستوردين ومخازنهم، ولا نظنهم يدخلون في النهي، والعبرة بحكمة النهي. هل هي توفير السلع في أسواق المستهلكين وعدم الإضرار بهم؟ أو هي في حماية صاحب السلعة من استغلال جهله بالأسعار؟ فيدور النهي مع الحكمة من التشريع. واللَّه أعلم.
8 - وأما بيع الحاضر للبادي فقد قال الشافعي والأكثرون إنه حرام بشروط: أن يكون القادم غريبًا من البادية أو من بلد آخر، وأن تكون السلعة متاعًا تعم الحاجة إليه، وأن يكون عالمًا بالنهي، وأن يعرض الحضري ذلك على البدوي، فلو عرضه البدوي على الحضري لم يمنع، ولو خالف وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم. هذا مذهب الشافعية، وبه قال جماعة من المالكية وغيرهم. وقال بعض المالكية: يفسخ البيع ما لم يفت، وقال عطاء ومجاهد وأبو حنيفة: يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقًا، لحديث "الدين النصيحة" قالوا: وحديث النهي عن بيع الحاضر للبادي منسوخ، وقال بعضهم: إنه على كراهة التنزيه، وقال بعضهم: إنه خاص بمن يبيع بالأجرة، كما فسره ابن عباس، لأنه لا يكون غرضه نصح البائع غالبًا، وإنما غرضه تحصيل الأجرة. وجعل المالكية البداوة قيدًا، وعن مالك: لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلا من كان يشبهه.
واللَّه أعلم