باشتراطه في الوقت الذي كان جائزًا فيه، ثم نسخ ذلك الحكم بخطبته صلى الله عليه وسلم، وبقوله "إنما الولاء لمن أعتق".

قال الحافظ ابن حجر: ولا يخفى بعد ما قال، وسياق طرق هذا الحديث تدفع هذا الجواب.

وخير الأجوبة ما ذكرناه في الفقرة (د) قال الخطابي موضحًا ومؤيدًا: وجه هذا الحديث أن الولاء لما كان لحمة كلحمة النسب، والإنسان إذا ولد له ولد ثبت له نسبه، ولا ينتقل نسبه عنه ولو نسب إلى غيره، فكذلك إذا أعتق عبدًا ثبت له ولاؤه؛ ولو أراد نقل ولائه عنه أو أذن في نقله عنه لم ينتقل، فلم يعبأ باشتراطهم الولاء، وقال: اشترطي ودعيهم يشترطون ما شاءوا لأن ذلك غير قادح في العقد بل هو بمنزلة اللغو من الكلام، وأخر إعلامهم بذلك ليكون رده وإبطاله قولاً شهيرًا، يخطب به على المنبر ظاهرًا، إذ هو أبلغ في النكير، وأوكد في التعبير.

الموضع الثالث: الولاء لمن أعتق. قال النووي: أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق عبده أو أمته عن نفسه، وأنه يرث بالولاء، وأما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير، وقال جماعة من التابعين: يرثه كعكسه. اهـ.

قال ابن بطال: هذا الحديث يقتضي أن الولاء لكل معتق، سواء كان ذكرًا أو أنثى. وهو مجمع عليه، أما جر الولاء وميراثه فقال الأبهري لا خلاف بين الفقهاء في أنه ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أولاد من أعتقن. وقال مسروق: لا يختص الذكور بولاء من أعتق آباؤهم، بل الذكور والإناث فيه سواء، كالميراث. وقال ابن حجر: العبارة السليمة أن يقال: ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتق، أو جره إليهن من أعتقن بولادة أو عتق، والحجة للجمهور اتفاق الصحابة، ومن حيث النظر أن المرأة لا تستوعب المال بالفرض، الذي هو آكد من التعصيب، فاختص بالولاء من يستوعب المال، وهو الذكر، وإنما ورثن من عتقن لأنه عن مباشرة، لا عن جر الإرث.

واستدل بقول في الرواية التاسعة "الولاء لمن ولى النعمة" وبقوله في رواية البخاري "الولاء لمن أعطى الورق، وولى النعمة" على أن المراد بقوله "لمن أعتق" أي لمن كان مالكًا لمن أعتق حين العتق، لا من باشر العتق ولو بوصية أو بوكالة. والله أعلم.

الموضع الرابع: بيع الولاء وهبته، ولفظ الرواية الرابعة عشرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء، وعن هبته" ويقول النووي: فيه تحريم بيع الولاء وهبته وأنهما لا يصحان، وأنه لا ينتقل الولاء عن مستحقه، بل هو لحمة كلحمة النسب، وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف، وأجاز بعض السلف نقله، ولعلهم لم يبلغهم الحديث. اهـ.

والموضع الخامس: تولى العتيق غير مواليه، ولا يتم هذا إلا بأمرين، الأول: رغبة العتيق وحرصه على أن ينتمي إلى غير معتقه، وأن ينتسب إلى غير من له الولاء. الأمر الثاني: رضا الولي المستعار بهذا الانتماء، وقبوله لهذا الانتساب.

أما الأمر الأول فتقول عنه الرواية السادسة عشرة والسابعة عشرة "من تولى قومًا بغير إذن مواليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015