وقد استشكل على قول الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلم الناس بأن اشتراط البائع الولاء باطل. فكيف صدر منه الإذن في البيع على شرط فاسد؟ حيث قال في الرواية السابعة "اشتريها واعتقيها، واشترطي لهم الولاء، فإن الولاء لمن أعتق"؟

وقد أجيب عن هذا الإشكال بأجوبة. منها:

(أ) إنكار الشرط وتضعيف الرواية. أشار إلى ذلك الشافعي في الأم. ورد بأن الحديث متفق على صحته فلا وجه لرده.

(ب) زعم الطحاوي أن المزني حدثه به عن الشافعي بلفظ "وأشرطي" بهمزة قطع، ثم وجهه بأن معناه أظهري لهم حكم الولاء، والإشراط الإظهار، ورد بأن هذه الرواية منكرة، فلا يعتد بها.

(ج) حكى الطحاوي أيضًا أن اللام في قوله "واشترطي لهم الولاء" بمعنى "على" كقوله تعالى {وإن أسأتم فلها} [الإسراء: 7] فالمعنى: اشترطي عليهم الولاء، ليكون لك.

قال النووي: تأويل اللام بمعنى "على" هنا ضعيف، لأنه صلى الله عليه وسلم أنكر الاشتراط، ولو كانت بمعنى "على" لم ينكره.

(د) قال بعضهم: إن الأمر في قوله "اشترطي" للإباحة، وهو على جهة التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم، فوجوده وعدمه سواء، وكأنه يقول: اشترطي أو لا تشترطي، فذلك لا يفيدهم، ويقوي هذا التأويل قوله في إحدى الروايات عند البخاري "اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاءوا".

(هـ) قال بعضهم: الأمر في قوله "اشترطي" مراد به التهديد على ما يؤول إليه الحال، كقوله {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله} [التوبة: 105] وكقول موسى {ألقوا ما أنتم ملقون} [الشعراء: 43] أي فليس ذلك بنافعكم، وكأنه يقول اشترطي لهم، فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم، يريد بذلك توبيخهم، مشيرًا إلى أنه قد تقدم منه بيان حكم الله بإبطاله، إذ لو لم يتقدم بيان ذلك لبدأ بيان الحكم في الخطبة، لا بتوبيخ الفاعل.

(و) قال النووي: أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القضية، وأن سببه المبالغة في الرجوع عن هذا الشرط، لمخالفته حكم الشرع، وهو كفسخ الحج إلى العمرة، إذ كان خاصًا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج وتعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل، ولأن الشافعي نص على خلاف هذه المقالة.

(ز) وقال ابن الجوزي: ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنًا للعقد، فيحمل على أنه كان سابقًا للعقد، فيكون الأمر بقوله "اشترطي" مجرد وعد، ولا يجب الوفاء به. وتعقب باستبعاد أنه صلى الله عليه وسلم يأمر شخصًا بأن يعد، مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد.

(ح) وأغرب ابن حزم، فقال: كان الحكم ثابتًا بجواز اشتراط الولاء لغير المعتق، فوقع الأمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015