الموضع الأول: بيع المكاتب وظاهر الرواية الخامسة والسادسة والسابعة أن بريرة كانت قد كاتبها أهلها ثم باعوها، واشترتها عائشة، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البيع فاحتج بهذا طائفة من العلماء على أنه يجوز بيع المكاتب إذا رضي بذلك، ولو لم يعجز نفسه، ومن جوزه عطاء والنخعي وأحمد ومالك في رواية عنه.
وقال ابن مسعود وربيعة وأبو حنيفة والشافعي في أصح القولين وبعض المالكية ومالك في رواية عنه: لا يجوز بيع المكاتب، وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها، وفسخوا كتابتها قبل بيعها، ورد هذا الجواب ابن عبد البر، فقال: ليس في شيء من طرق حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجم، ولا أخبرت بأنه قد حل عليها شيء، ولم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي صلى الله عليه وسلم لها عن شيء من ذلك.
وأول بعضهم قولها في الرواية السادسة "إني كاتبت أهلي" وفي السابعة "إن أهلي كاتبوني" فقال معناه: راودتهم على مكاتبتي، وراودوني، واتفقت معهم على هذا القدر، ولم يقع العقد بعد، ولذلك بيعت فلا حجة فيه على بيع المكاتب مطلقًا. قال الحافظ ابن حجر: وهو خلاف ظاهر سياق الحديث.
وقال بعض المالكية إن الذي اشترته عائشة كتابة بريرة، لا رقبتها، ولا حجة فيه على جواز بيع المكاتب، ورد هذا بأنه لو كان كذلك لكان المعتقون لها أهلها، وكان اللوم على عائشة، بطلبها ولاء من أعتقها غيرها والروايات صريحة في أن عائشة أرادت أن تشتري جارية شراء صحيحًا، تمتلكها بموجبه وتعتقها. وقال بعض العلماء: إنما يجوز بيع المكاتب بشرط العتق، وهو أصح القولين عند الشافعية والمالكية وعند الحنفية يبطل.
الموضع الثاني: ما يجوز من الشروط، وما لا يجوز. قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم [في الرواية السابعة] "ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" صريح في إبطال كل شرط ليس له أصل في كتاب الله تعالى. قال العلماء: الشرط في البيع ونحوه أقسام:
أحدها شرط يقتضيه العقد، كأن شرط تسليمه إلى المشتري، أو تبقية التمر على الشجر إلى أوان الجداد، أو الرد بالعيب.
الثاني: شرط فيه مصلحة، وتدعو إليه الحاجة، كاشتراط الرهن، والضامن، والخيار وتأجيل الثمن، ونحو ذلك.
الثالث: اشتراط العتق في العبد المبيع أو الأمة، وهذا جائز أيضًا عند الجمهور لحديث عائشة ترغيبًا في العتق، لقوته وسرايته.
الرابع: ما سوى ذلك من الشروط، كشرط استثناء منفعة، وشرط أن يبيعه شيئًا آخر أو يكريه داره، أو نحو ذلك. فهذا شر باطل مبطل للعقد، هكذا قال الجمهور وقال أحمد: لا يبطله شرط واحد، وإنما يبطله شرطان. اهـ.