والمراد من العتق هنا الحرية، وأصله من قولهم: عتق الفرس إذا سبق ونجا، وعتق الفرخ طار واستقل، وأطلق على الحرية عتق لأن العبد يتخلص بالعتق ويذهب حيث يشاء.
وإنما قيل لمن أعتق إنسانًا أنه أعتق رقبة، وفك رقبة، فخصت الرقبة دون سائر الأعضاء، مع أن العتق يتناول جميع الأعضاء، لأن حكم اليد عليه، وملكه له: كحبل في رقبة العبد، وكالغل المانع له من الخروج، فإذا أعتق فكأنه أطلقت رقبته من ذلك، وهو مجاز مرسل، من إطلاق الجزء وإرادة الكل.
و"شركًا" بكسر الشين وسكون الراء أصله مصدر أطلق على العبد المشترك، أو الجزء المشترك، أي نصيبًا وجزءًا، وفي الرواية الثالثة "من أعتق شقصًا له في عبد" والشقص بكسر الشين وسكون القاف هو النصيب والجزء ويطلق على القليل والكثير، وفي رواية للبخاري "من أعتق نصيبًا له في مملوك" ويقال له: الشقيص بالتصغير.
و"العبد" اسم للمملوك الذكر بأصل وضعه، والأمة اسم لمؤنثه من غير لفظه، ولم يفرق الجمهور في هذا الحكم بين الذكر والأنثى، فهو هنا يشمل الأمة، إما باعتبار أن المراد بالعبد الجنس، وإما على طريق الإلحاق لعدم الفارق، وعند الدارقطني "من كان له شرط في عبد أو أمة".
(فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل، فأعطى شركاؤه حصصهم، وعتق عليه العبد) في الرواية الثانية "في المملوك بين الرجلين" وذكر الرجلين كالمثال، فلا فرق بين أن يكون بين رجلين أو امرأتين أو ثلاثة أو عشرة، "فيعتق" - بضم الياء "أحدهما" - أي نصيبة -؟ "قال: يضمن" أي يضمن هذا المعتق نصيب الشركاء. وفي الرواية الثالثة "من أعتق شقصًا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال" وفي رواية للبخاري "من أعتق شركًا له في مملوك فعليه عتقه كله، إن كان له مال يبلغ ثمنه، فإن لم يكن له مال" يبلغ ثمنه، لكن يبلغ بعض الثمن "يقوم عليه قيمة عدل، فأعتق منه ما أعتق" أي أعتق منه ما أمكن. وفي رواية للبخاري "فكان له من المال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق" وفي البخاري أيضًا "وكان ابن عمر يقول: قد وجب عليه عتقه كله، إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ قيمة العدل، ويدفع إلى الشركاء أنصباءهم، ويخلي سبيل المعتق، يخبر ذلك ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم".
والمراد بقيمة العدل القيمة التي يراها العدل، دون زيادة ولا نقصان، زاد في رواية النسائي "لا وكس ولا شطط" والوكس النقص، والشطط الجور.
وقوله "فأعطى شركاؤه حصصهم" ببناء الفعل للمجهول، و"شركاؤه" نائب فاعل، وحصصهم مفعول، أي قيمة حصصهم.
(وإلا فقد عتق منه ما عتق) بفتح العين فيهما، أي وإن لم يكن له مال قام العتق بالجزء الذي قام به من المعتق.
وفي الرواية الثالثة "فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه" "استسعى" بالبناء