الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء} [محمد: 4] هذا من حيث مصادر الرق، أما من حيث استمرارية الرق فقد ضرب الإسلام المثل الأعلى في الحرص على حرية الرقيق، وفتح أبوابًا عديدة لعتقه، فجعله في مقدمة الكفارات، كفارة القتل، وكفارة الظهار، وكفارة الإفطار بالجماع في نهار رمضان، وكفارة اليمين، وجعل تحرير العبد منقذًا لسيده من النار {وما أدراك ما العقبة} [البلد: 12] التي تحول بين الإنسان وبين الجنة {فك رقبة} فمن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو عضوًا من أعضائه من النار، "وأي امرئ مسلم يعتق امرأ مسلمًا إلا استنقذ الله بكل عضو منه مثله من النار، حتى فرجه بفرجه" هذا الترغيب الفريد في العتق حرر الآلاف من العبيد، حرصًا من مالكيهم على إنقاذ أنفسهم من النار، وفوزهم بالجنة والنعيم المقيم.
وقد بلغ تشوف الإسلام لتحرير الرقيق مبلغًا عجيبًا، فقد جعل الهزل في لفظ العتق جدًا، فمن قال: عبدي حر، عتق العبد وإن كان السيد قد قال ذلك مزاحًا، وجعل الشريك في عبد إذا أعتق نصيبه عتق العبد جميعه، والتزم المعتق بإعطاء الشريك قيمة نصيبه.
ورغب في مكاتبة الرقيق، وتمكينه من السعي والعمل لسداد قيمة الكتابة، وحث على مساعدة المكاتب ليحرر رقبته {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33] وربط الإسلام بين المعتق والرقيق عند تحريره برباط الولاء، كأن العتيق ابنًا للمعتق، يرثه ويرثه، ويرعى كل منهما الآخر، ويعتز كل منهما بالآخر، وعلى العتيق أن يحفظ للمعتق فضله حيث تفضل عليه بالحرية، فعليه أن ينتمي وينتسب إليه، فمن انتسب إلى غير معتقه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
أما معاملة الأسياد المسلمين لعبيدهم فقد وضع الإسلام قواعدها بما لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسانية حيث يقول صلى الله عليه وسلم "إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" حتى رأينا أبا ذر الغفاري يشتري الثوب ثوبين من نوع واحد، ولون واحد، يلبس هو حلة، ويلبس عبده حلة مماثلة، وحتى رأينا كثيرًا من العبيد يتمنون أن يظلوا عبيدًا، ويفضلون البقاء في العبودية عن الحرية من حسن معاملة الأسياد وقصة زيد بن حارثة في ذلك مشهورة، فأنعم بالإسلام نصيرًا وحاميًا للضعفاء.
-[المباحث العربية]-
(من أعتق شركًا له في عبد) يقال: عتق العبد، بفتح العين والتاء، فعل لازم، ولا يعرف "عتق" بضم العين، وإنما يقال للمتعدي: أعتق بالهمزة، فيقال: عتق العبد يعتق العبد - أي يقوم به العتق، عتقًا بكسر العين وفتحها، وعتاقًا، وعتاقة، وعبد عتيق، وأمة عتيق وعتيقة، وعبيد عتقاء، وإماء عتائق، وأعتق السيد عبده، فالسيد معتق بضم الميم وكسر التاء والعبد معتق بضم الميم وفتح التاء.