بأنه لم يصبر ساعة في المسجد، حتى يقوم ويرجع إلى الغرفة، ويستأذنه؟ قال: ولكن تأويل هذا سهل، وهو أن يحمل قوله "فترك" أي بعد أن مضت المدة، ويستفاد منه أنه كان يتردد إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المدة التي حلف عليها، فاتفق أنه كان عنده عند إرادته النزول، فنزل معه، ثم خشي أن يكون نسي تمام الشهر، فذكره كما ذكرته عائشة.
(فلما رجع، فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك، لحاجة له) حددت الرواية الحادية عشرة المكان المشار إليه، بأنه مر الظهران، وفي الرواية الثانية عشرة "فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر، وعدلت معه بالإداوة - إبريق ماء يصب منه عند الوضوء والاستنجاء ونحوهما - فتبرز" وأصل التبرز من البراز، وهو الموضع الخالي البارز عن البيوت، ثم أطلق التبرز على نفس الفعل - قضاء الحاجة، والمعنى عدل عن الطريق المسلوك إلى مكان لا يسلك غالبًا، به أشجار الأراك، ليستره أثناء قضاء حاجته، عدل بدون ماء لقلته، وطلب من ابن عباس أن يستحضر له إداوة من ماء حتى يرجع، فلما رجع وقد استجمر أخذ ابن عباس يصب عليه ماء الوضوء. فتكلم معه وسأله، كانت البداية أثناء الوضوء، واستمر الحديث بالطريق، ففي الرواية الثانية عشرة "فسكبت على يديه، فتوضأ، فقلت ... " وفي الرواية الحادية عشرة "ذهبت أصب عليه وذكرت، فقلت له ... " وفي الرواية العاشرة "ثم سرت معه، فقلت ... ".
(إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرًا) "إن" بكسرة الهمزة وسكون النون، مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن والقصة، والجملة بعد ذلك خبرها، والمعنى أن الشأن والقصة والحكاية كنا في الجاهلية قبل الإسلام كذا وكذا ما نعتبر للنساء أمرًا أو نهيًا، ولا نعتد لهن برأي.
(حتى أنزل اللَّه تعالى فيهن ما أنزل) من حقوق ورفع شأن، واعتداد بالرأي.
(وقسم لهن ما قسم) من حقوق مالية، وحقوق تعليمية وحقوق أدبية إلخ، وساعدهن على الوقوف بجوار حقوقهن، والمطالبة بها ومواجهة الرجال ما رأينه من نساء الأنصار من الجرأة والصلابة، ففي الرواية الثانية عشرة "كنا معشر قريش قومًا نغلب النساء - أي نحكم عليهن، ولا يحكمن علينا - فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم" وفي رواية "كنا ونحن بمكة لا يكلم أحد امرأته، إلا إذا كانت له حاجة قضى منها حاجته" وفي رواية "كنا لا نعتد بالنساء، ولا ندخلهن في أمورنا" "فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم" وفي رواية "فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار" أي من سيرتهن وطريقهن وفي رواية "فلما قدمنا المدينة تزوجنا من نساء الأنصار، فجعلن يكلمننا ويراجعننا".
(فبينما أنا في أمر أأتمره) أي أشاور فيه نفسي وأفكر فيه وأقدره بصوت مرتفع.
(إذا قالت لي امرأتي: لو صنعت كذا وكذا؟ فقلت لها: وما لك أنت ولما ها هنا؟ وما تكلفك في أمر أريده؟ فقالت لي: عجبًا لك يا ابن الخطاب ما