استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} [النساء: 24]. وفي قراءة ابن مسعود "فما استمتعتم به منهن إلى أجل" وقراءة ابن مسعود هذه شاذة، لا يحتج بها قرآناً ولا خبراً، ولا يلزم العمل بها. قال: وقال زفر: من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه، وكأنه جعل ذكر الأجل من باب الشروط الفاسدة في النكاح، وأنها تلغى، ويصح النكاح.

قال المازري: واختلفت الرواية في صحيح مسلم في النهي عن المتعة، ففيه أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وفيه أنه نهى عنها يوم الفتح، فإن تعلق بهذا من أجاز المتعة، وزعم أن الأحاديث تعارضت، وأن هذا الاختلاف قادح فيها قلنا: هذا الزعم خطأ، وليس هذا تناقضاً، لأنه يصح أن ينهي عنه في زمن، ثم ينهي عنه في زمن آخر توكيداً، أو ليشتهر النهي ويسمعه من لم يكن سمعه أولاً، فسمع بعض الرواة النهي في زمن، وسمعه آخرون في زمن آخر، فنقل كل منهم ما سمعه، وأضافه إلى زمان سماعه. هذا كلام المازري.

وحاصله أنه يختار أن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد، وأن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم، من غير إباحة وترخيص يوم الفتح. وهذا الرأي وإن ساعدته الروايات (17، 18، 19، 20) فإن الروايات (7، 8، 9، 11، 12، 14) تعارضه معارضة صريحة، إذ هي تثبت الرخصة في المتعة عام فتح مكة.

أما القاضي عياض فيقول: روى أحاديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني، وليس في هذه الأحاديث كلها أنها كانت في الحضر، وإنما كانت في أسفارهم في الغزو، عند ضرورتهم، وعدم النساء، مع أن بلادهم حارة، وصبرهم عن النساء قليل، وقد ذكر في حديث ابن أبي عمرة أنها كانت رخصة في أول الإسلام، لمن اضطر إليها كالميتة، ونحوها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه [يشير بذلك إلى ما رواه البخاري عن أبي جمرة قال: "سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء، فرخص، فقال مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة أو نحوه، فقال ابن عباس: نعم" وما أخرجه الخطابي والفاكهي عن سعيد بن جبير قال "قلت لابن عباس: لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء -يعني في المتعة- فقال: والله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة، لا تحل إلا للمضطر" وأخرجه البيهقي بلفظ "ألا إنما هي كالميتة والدم ولحم الخنزير" ثم ذكر مسلم عن سلمة بن الأكوع إباحتها يوم أوطاس، ومن رواية سبرة إباحتها يوم الفتح، وهما واحد، ثم حرمت يومئذ. وفي حديث علي تحريمها يوم خيبر، وهو قبل الفتح، وذكر غير مسلم عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها في غزوة تبوك، ولم يتابع علي هذا، وهو غلط، والصحيح يوم خيبر، كما في مسلم.

وقد روى أبو داود من حديث سبرة النهي عنها في حجة الوداع. قال أبو داود: وهذا أصح ما روي في ذلك، وقد روي عن سبرة أيضا إباحتها في حجة الوداع، ثم نهى صلى الله عليه وسلم عنها حينئذ إلى يوم القيامة، وروي عن الحسن البصري أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء، وروي هذا عن سبرة الجهني أيضاً. قالوا: وذكر الرواية بإباحتها يوم حجة الوداع خطأ، لأنه لم يكن يومئذ ضرورة ولا عزوبة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015