والمعنى أنه يخرج من المدينة من لم يخلص إيمانه، ويبقى فيها من خلص إيمانه. و"طيبها" بفتح الطاء وتشديد الياء المكسورة.
(بدهم أو بسوء) يقال: فعل به ما أدهمه، أي ساءه، ودهمك كسمع ومنع، أي غشيك، والدهم الغائلة والأمر العظيم.
(ليتركنها أهلها على خير ما كانت) في الرواية الثانية والأربعين "يتركون المدينة على خير ما كانت" أي على أحسن حال كانت عليه من قبل.
(مذللة للعوافي) أي مسخرة خاضعة لعوافي الطير والسباع، والعوافي جمع عافية وهي التي تطلب أقواتها. قال النووي: الظاهر المختار أن هذا الترك للمدينة يكون في آخر الزمان، عند قيام الساعة، وتوضحه قصة الراعيين من مزينة [روايتنا الثانية والأربعون] فإنهما يخران على وجوههما حين تدركهما الساعة، وهما آخر من يحشر، كما ثبت في صحيح البخاري، فهذا هو الظاهر المختار، وقال القاضي عياض: هذا ما جرى في العصر الأول وانقضى، قال: وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، فقد تركت المدينة على أحسن ما كانت، حين انتقلت الخلافة عنها إلى الشام والعراق، وذلك الوقت أحسن ما كانت للدين والدنيا، أما الدين فلكثرة العلماء وكمالهم، وأما الدنيا فلعمارتها وغرسها واتساع حال أهلها. قال: وذكر الأخباريون عن بعض الفتن التي جرت بالمدينة أنه قد خاف أهلها، حتى رحل عنها أكثر الناس، وبقيت ثمارها أو أكثرها للعوافي، وخلت مدة، ثم تراجع الناس إليها. قال: وحالها اليوم قريب من هذا، وقد خربت أطرافها. هذا كلام القاضي. والله أعلم.
(ينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشاً) "النعيق" زجر الغنم، يقال: نعق ينعق بكسر العين وفتحها نعيقاً ونعاقاً ونعقانا إذا صاح بالغنم، ومعنى "فيجدانها وحشاً" أي يجدان المدينة ذات وحش، أو يجدان أهلها قد صاروا وحوشاً، أي يجدان المدينة خالية، وهذا معنى "وحشاً" أي ليس بها أحد، والوحش من الأرض الخلاء. قال النووي: الصحيح أن معناه يجدانها ذات وحوش، قال: وقد يكون "وحشاً" بمعنى وحوش، وأصل الوحش كل شيء توحش من الحيوان. وقال النووي: وحكى القاضي عن ابن المرابط أن معناه أن غنمهما تصير وحوشاً، إما تنقلب ذاتها فتصير وحوشاً، وإما أن تتوحش وتنفر من أصواتها. وأنكر القاضي هذا، واختار أن الضمير في "يجدانها" عائد إلى المدينة، لا إلى الغنم. وهذا هو الصواب وقول ابن المرابط غلط. اهـ
-[فقه الحديث]-
-[يؤخذ من الأحاديث]-
1 - استدل بعضهم بهذه الأحاديث عامة، وبالرواية الثانية والثلاثين خاصة على أن المدينة أفضل البلاد. قال المهلب: لأن المدينة هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الإسلام، فصار