الجميع في صحائف أهلها، ولأنها تنفي الخبث. وأجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة، فالفضل ثابت للفريقين، ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين، قال ابن حزم: لو فتحت بلد، فثبت بذلك الفضل للأول للزم أن تكون البصرة أفضل من خراسان وسجستان وغيرها مما فتح من جهة البصرة، وليس كذلك. وعن الثاني بأن ذلك إنما هو خاص ببعض الناس، وخاص ببعض الزمان، بدليل قوله تعالى {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق} [التوبة: 101]. والمنافق خبيث ولا شك، ولم تنفه المدينة، وخرج منها كثير من أفاضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم خرج منها علي وطلحة وأبو عبيدة وابن مسعود والزبير وعمار. فدل ذلك على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس، ووقت دون وقت.

2 - وفي هذه الأحاديث عامة، ومن الروايات الخاصة بمن يصبر على لأوائها، والروايتين التاسعة والثلاثين والمتممة للأربعين خاصة دلالات ظاهرة على فضل سكنى المدينة، قال النووي: وأن هذا الفضل باق مستمر إلى يوم القيامة، وقد اختلف العلماء في المجاورة بمكة والمدينة، فقال أبو حنيفة وطائفة: تكره المجاورة بمكة، وقال أحمد وطائفة: لا تكره المجاورة بمكة، بل تستحب، وإنما كرهها من كرهها لأمور. منها: خوف الملل، وقلة الحرمة للأنس، وخوف ملابسة الذنوب، فإن الذنب فيها أقبح منه في غيرها، كما أن الحسنة فيها أعظم منها في غيرها، واحتج من استحبها بما يحصل فيها من الطاعات التي لا تحصل في غيرها، وتضعيف الصلوات والحسنات وغير ذلك. قال: والمختار أن المجاورة بهما جميعاً مستحبة، إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحذورات المذكورة وغيرها، وقد جاورتهما خلائق لا يحصون من سلف الأمة وخلفها، ممن يقتدى بهم، وينبغي للمجاور الاحتراز من المحذورات وأسبابها. اهـ

3 - وفي هذه الأحاديث حجة ظاهرة للشافعي ومالك وموافقيهما في تحريم صيد المدينة وشجرها، وأباح ذلك أبو حنيفة، واحتج له بحديث "يا أبا عمير. ما فعل النغير"؟ قال النووي: وأجاب أصحابنا بجوابين. أحدهما: أنه يحتمل أن حديث النغير كان قبل تحريم المدينة. والثاني: يحتمل أنه صاده من الحل، لا من حرم المدينة. وهذا الجواب لا يلزمهم على أصولهم، لأن مذهب الحنيفية أن صيد الحل إذا أدخله الحلال إلى الحرم ثبت له حكم الحرم، ولكن أصلهم هذا ضعيف، فيرد عليهم بدليله، والمشهور من مذهب مالك والشافعي والجمهور أنه لا ضمان في صيد المدينة وشجرها، بل هو حرام بلا ضمان، وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى: يجب فيه الجزاء، كحرم مكة، وبه قال بعض المالكية، وللشافعي قول قديم أنه يسلب القاتل، لحديث سعد بن أبي وقاص [روايتنا السابعة] قال القاضي عياض: لم يقل بهذا القول أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في القديم، وخالفه أئمة الأمصار.

قال النووي: ولا تضر مخالفتهم إذا كانت السنة معه، وهذا القول القديم هو المختار، لثبوت الحديث فيه، وعمل الصحابة على وفقه.

4 - ومن الرواية الثالثة عشرة والرابعة عشرة، من قوله "من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً" يستفاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015