أصحابه أن يناولوه، فرفضوا لأنهم ممنوعون من إعانته على الصيد بأي وجه من وجوه العون، فنزل فأخذ سوطه ورمحه، وركض بفرسه حتى أدرك الحمار الوحشي فطعنه برمحه فعقره، ثم جاء به إلى أصحابه فمنهم من اعتقد حل الأكل فشوى وأكل، ومنهم من امتنع ثم قالوا: وما لنا نتشكك ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمامنا؟ قريب منا فأسرعوا إليه وسبقهم إليه أبو قتادة، فسأله. فقال صلى الله عليه وسلم لهم: هل منكم أحد أشار أو أعان أبا قتادة؟ قالوا: لا. قال: هل معكم من لحمه شيء؟ قالوا: نعم. رجله. فأخذها فأكلها. وقال: هو حلال. هو طعمة أطعمكم الله إياها. إذا حصلتم على مثلها فكلوه. صلى الله وسلم وبارك عليه، ورضي عن صحابته أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(عن الصعب بن جثامة) "الصعب" بفتح الصاد وسكون العين، وأبوه "جثامة" بفتح الجيم وتشديد الثاء، وهو من بني ليث، وكان ابن أخت أبي سفيان بن حرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عوف بن مالك.
(حماراً وحشياً) بنصب "وحشياً" على الوصف، وفي الرواية الثانية "حمار وحش" على الإضافة، وفي الرواية الثالثة "رجل حمار وحش" وفي ملحقها "عجز حمار وحش يقطر دماً" وفي ملحقها الثاني "شق حمار وحش" وفي الرواية الرابعة "عضو من لحم صيد".
وقد مال النووي إلى أن المهدى جزء حمار، وأن رواية "حماراً" من إطلاق الكل وإرادة الجزء، وحمل على البخاري إذ ترجم للحديث بباب: إذا أهدي للمحرم حماراً وحشياً حياً لم يقبل.
وقال: ليس في سياق الحديث تصريح بذلك، وكذا نقلوا هذا التأويل عن مالك، وهو باطل، لأن الروايات التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح. اهـ
ويحاول القرطبي الدفاع عن البخاري فيقول: يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحاً، ثم قطع منه عضواً بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقدمه له، فمن قال: أهدى حماراً أراد بتمامه، مذبوحاً، أو حيا، ومن قال: لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم. قال: ويحتمل أنه أهداه له حياً، فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه، ظاناً أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته، فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل. قال: والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات. اهـ
ويؤيد الحافظ ابن حجر هذا الاتجاه، فيقول: إذا تأملت ما تقدم لم يحسن إطلاقه [أي إطلاق النووي] لبطلان التأويل المذكور، ولا سيما في رواية الزهري [وفيها حماراً وحشياً] التي هي عمدة هذا الباب، وقد قال الشافعي في الأم: حديث مالك أن الصعب أهدى حماراً أثبت من حديث من روى أنه أهدى لحم حمار، وقال الترمذي: روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب "لحم حمار وحش" وهو غير محفوظ. اهـ
والتحقيق: أن الدفاع عن استنباط البخاري ضعيف، واحتمال أن الصعب أهدى حماراً كاملاً حياً