"أريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي، فنسيتها"، مما رتب النسيان على إيقاظ بعض الأهل له، فهذا سبب آخر. وجمع الحافظ ابن حجر باحتمال أن تكون الرؤيا في الرواية الثامنة مناماً، فيكون سبب النسيان الإيقاظ، وأن الرؤية والإبانة في الرواية الثالثة عشرة في اليقظة وسبب نسيانها ما ذكر من المخاصمة، واحتمال اتحاد القصة ويكون سبب النسيان الأمرين، وقال: ويحتمل أن يكون المعنى أيقظني بعض أهلي فسمعت المخاصمة، فقمت لأحجز بينهما فنسيتها. اهـ
وهذا الاحتمال الأخير هو الذي اخترناه قريباً.
(فالتي تليها ثنتين وعشرين) كذا في الرواية الثالثة عشرة، قال النووي: "ثنتين وعشرين" بالياء، هكذا هو في أكثر النسخ، وفي بعضها "ثنتان وعشرون" بالرفع، قال: والأول أصوب، وهو منصوب بفعل محذوف، تقديره: أعني ثنتين وعشرين. اهـ وما صوبه النووي ليس بصواب، لأنه خبر مرفوع، ولو نصبنا خبر المبتدأ على تقدير أعني لم نحترم القواعد النحوية. والناسخ غير معصوم حتى نتمحل له:
(ثم حلف -لا يستثنى- أنها ليلة سبع وعشرين) أي حلف جازماً، ولم يقل: إلا أن يشاء الله.
(قلت: بأي شيء تقول ذلك)؟ أي بأي دليل تحكم هذا الحكم، وعلى أي شيء بنيت قولك؟ .
(التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) عائد الصلة محذوف، أي أخبرنا بها.
(أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها) الضمير في "أنها" للشمس. قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ من غير ذكر الشمس، وحذفت للعلم بها، فعاد الضمير إلى معلوم، كقوله: {حتى توارت بالحجاب} [ص: 32] ونظائره، والشعاع بضم الشين هو ما يرى من ضوئها عند بزوغها مثل الحبال والقضبان، مقبلة إليك إذا نظرت إليها. قال القاضي عياض: قيل معنى "لا شعاع لها" أنها علامة جعلها الله تعالى لها، قال: وقيل بل لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها، ونزولها إلى الأرض وصعودها، فسترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها. اهـ
وعند أحمد "ليلة القدر صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة صاحية، لا حر فيها ولا برد، ومن أمارتها أن الشمس في صبيحتها تخرج مستوية، ليس لها شعاع، مثل القمر ليلة البدر" وعند ابن خزيمة "ليلة القدر طلعة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة" ولا شك أن ليلة القدر وشمسها لا ترى كذلك لكل الناس، ولا في كل البقاع، وقد يكون هذا وصفاً لعام من الأعوام في بعض الأماكن. والله أعلم.
(وهو مثل شق جفنة) الشق بكسر الشين هو النصف، والجفنة قصعة كبيرة. قال القاضي: فيه إشارة إلى أنها إنما تكون في أواخر الشهر، لأن القمر لا يكون كذلك عند طلوعه إلا في أواخر الشهر.