-[فقه الحديث]-

أخذ النووي عنوان [فضل ليلة القدر] استنباطاً من الأحاديث المذكورة، فهي تحث على طلبها والتماسها وتحريها بالعبادة والدعاء، وما ذلك إلا لفضلها، وقد ساق البخاري تحت هذا العنوان قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر} كما ساق حديث "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

وقد اختلف العلماء في وجودها ودوامها إلى آخر الدهر، وفي محلها اختلافات كثيرة، حصل منها الحافظ ابن حجر أكثر من أربعين قولاً. قال النووي: وأجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر، للأحاديث الصحيحة المشهورة، قال القاضي: وشذ قوم، فقالوا: رفعت، لقوله صلى الله عليه وسلم "فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في السبع والتسع" رواه البخاري. قال: وهذا غلط من هؤلاء الشاذين، لأن آخر الحديث يرد عليهم، ففيه تصريح بأن المراد برفعها رفع بيان علم عينها، ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها. اهـ ونسب هذا القول للروافض، وحكى السروجي أنه قول الشيعة، وأخطأ الفكهاني في شرح العمدة حين نسبه للحنفية.

ويشبه هذا القول قول من يقول: أنها خاصة بسنة واحدة، وقعت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهل هي خاصة بهذه الأمة؟ أو كانت في الأمم قبلها؟ خلاف. والجمهور على الأول.

أما عن محلها من ليالي السنة فنعرض بعض الأقوال التي سردها الحافظ ابن حجر في فتح الباري. قال:

1 - هي ممكنة في جميع السنة، وهو قول مشهور عن الحنفية، وروي مثله عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وغيرهم، ومأخذ ابن مسعود أنه أراد أن لا يتكل الناس. كما هو واضح من روايتنا السادسة عشرة، وزيف المهلب هذا القول، وقال: لعل صاحبه بناه على دوران الزمان، لنقصان الأهلة. قال وهو فاسد، لأن ذلك لم يعتبر في صيام رمضان [فرمضان لدوران الزمان يأتي زماناً صيفاً وزماناً شتاء] فلا يعتبر في غيره حتى تنتقل ليلة القدر عن رمضان.

2 - أنها مختصة برمضان، ممكنة في جميع لياليه، وقد جزم صاحب شرح الهداية بأنه قول أبي حنيفة، وقال به ابن المنذر والمحاملي وبعض الشافعية، وقال السروجي في شرح الهداية: قول أبي حنيفة إنها تنتقل في جميع رمضان، وقال صاحباه: إنها في ليلة معينة منه مبهمة.

3 - أنها مبهمة في العشر الأوسط من رمضان. قال به بعض الشافعية.

4 - أنها أول ليلة من العشر الأخير، وإليه مال الشافعي، وجزم به جماعة من الشافعية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015