فهذه علامتها، وجاء بعض أصحابه، فقال أحدهم: لقد رأيت أنها ليلة إحدى وعشرين، وقال آخر: لقد رأيت أنها ليلة ثلاث وعشرين، وقال ثالث: لقد رأيت أنها ليلة خمس وعشرين، وقال رابع: لقد رأيت أنها ليلة سبع وعشرين، فقال صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد اتفقت على أنها في العشر الأواخر، فالتمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز عن قيام العشر فليحرص على قيام السبع الأواخر، فإن عجز عن قيام السبع الأواخر فليحرص على قيام الوتر من العشر أو من السبع الأواخر. وعاد الصحابة إلى معتكفهم، وقاموا يتعبدون ليلة إحدى وعشرين، وكانت سماؤها صافية، لكن سحابة جاءت فأمطرت عند الفجر، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر بأصحابه، فكانت أرض المسجد ماء وطيناً من سقوط المطر من سقف المسجد، ولم يكن به فراش، فسجد صلى الله عليه وسلم وسجد أصحابه على الطين، ورأوا بعد الصلاة أثر الطين في وجهه صلى الله عليه وسلم، في جبهته ورأس أنفه، فعلموا أن ليلتهم الماضية كانت ليلة القدر، أو هكذا ظنوا، كما توقعوا أن تمطر السماء ثانية في بقية العشر، فتكون الليلة مازالت أمامهم، فأكملوا اعتكاف العشر، وصارت الوصية بعد ذلك: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، فاللهم وفقنا لها وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
-[المباحث العربية]-
(أن رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسمية أحد من هؤلاء.
(أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر) و"أروا" بضم الهمزة فعل ماض مبني للمجهول، أي أراهم الله في منامهم ليلة القدر بعلاماتها الآتية في فقه الحديث، وأوقع في نفوسهم أنها في السبع الأواخر من رمضان أو أعلمهم الله من غير رؤية، أو قال لهم قائل: إنها في السبع الأواخر، من رمضان، فـ"ال" في "السبع الأواخر" للعهد، وقوله: "في السبع الأواخر" متعلق بمحذوف حال من "ليلة القدر" أي أروا ليلة القدر كائنة وواقعة في السبع الأواخر، ويؤيد هذا الاحتمال روايتنا الثالثة، وفيها "رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين والرابعة، وفيها "وأرى ناس منكم أنها في السبع الغوابر" وقيل: إن الجار والمجرور "في السبع الأواخر" متعلق بـ"أروا" أي أراهم الله في السبع الأواخر ليلة القدر، فرجل رآها ليلة الثالث والعشرين، وآخر رآها ليلة الخامس والعشرين، وآخر رآها ليلة السابع والعشرين، وليس بذلك، لأنه لا يستلزم أن يتكرر وقوعها في عام واحد، أو أن يروها في عدة أعوام بهذا العدد، وهو بعيد، وقيل: متعلق بمحذوف حال من "المنام" أي في المنام واقعاً وكائناً في السبع الأواخر، وهو بعيد كسابقه، حتى لو فسر بوقوع رؤياهم لها في ليلة واحدة من السبع الأواخر، حيث لا داعي لإبهام ليلة الرؤيا في سبع.