قال الحافظ ابن حجر: واختلف في المراد بالقدر الذي أضيفت إليه الليلة، فقيل: المراد به التعظيم. كقوله {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91] قال الزهري: ليلة العظمة والشرف، والمعنى أنها ذات قدر، لنزول القرآن فيها، وهو كتاب ذو قدر، نزل بواسطة ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، لأمة ذات قدر، أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر، أو لأن الطاعات في هذه الليلة ذات عظمة وأجر وقيل: القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخي القضاء، والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة.
لقوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 4] وبه صدر النووي كلامه فقال: قال العلماء: سميت ليلة القدر لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به، وتقديره له.
(أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر) "أرى" بفتح الهمزة والراء، أي أعلم، والمراد من "رؤياكم" مرائيكم، لأنها لم تكن رؤيا واحدة، وكان الأصل "رؤاكم" جمع رؤيا، ليكون جمعاً في مقابلة جمع "فيقتضي القسمة آحاداً، ليصير المعنى رؤيا كل منكم، وهذا الإفراد جائز لكن الجمع أكثر وأشهر. ومعنى "تواطأت" توافقت، قال النووي: هو في جميع النسخ بطاء ثم تاء "تواطت" وكان ينبغي أن يكتب بألف بين الطاء والتاء، صورة للهمزة، ولا بد من قراءته مهموزاً، قال الله تعالى: {ليواطئوا عدة ما حرم الله} [التوبة: 37] وفي الرواية الثالثة "أرى رؤياكم في العشر الأواخر".
(فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) أي فمن كان طالبها وقاصدها فليطلبها في السبع الأواخر، والتحري القصد والاجتهاد في الطلب، وفي الرواية الثانية "تحروا" بفعل الأمر من غير تعليق، وفي الثالثة "فاطلبوها" وفي الرابعة والخامسة "التمسوها" وفي السادسة "من كان ملتمسها فليلتمسها" وكل من التحري والالتماس طلب وقصد، ولكن التحري طلب بجد واجتهاد، وفي الرواية السابعة، "تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر" أي اطلبوا حينها، وهو زمانها.
وفي الرواية الرابعة "فالتمسوها في العشر الغوابر" يعني البواقي، وهي الأواخر، وفي الخامسة "من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر" وفي السابعة "تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر" أو قال "في التسع الأواخر" وفي البخاري في التعبير عن سالم عن أبيه قال: "إن ناساً أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وإن ناساً أروا أنها في العشر الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: التمسوها في السبع الأواخر" قال الحافظ ابن حجر: وكأنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى المتفق عليه من الروايتين [وهي السبع] فأمر به. اهـ
والتحقيق أنه أمر بالأمرين لكنه أكد أحدهما أكثر من الآخر كما تدل على ذلك روايتنا الخامسة، إذ فيها "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي" وفي بعض النسخ "عن السبع" بلفظ "عن" بدل "على" قال النووي: وكلاهما صحيح.