قال الحافظ ابن حجر: والأولى إجراء الحديث على ظاهره، وحمله على من فوت حقاً واجباً بذلك، فإنه يتوجه إليه الوعيد.
(جـ) وأما صوم المجاهد والمرابط في سبيل الله فقد تعرضت له روايتنا التاسعة والعاشرة، وقد وضحنا المراد من سبيل الله وبعض ما يتعلق به في المباحث العربية. قال الحافظ ابن حجر: ولا يعارض ذلك أن الفطر في الجهاد أولى، لأن الصائم يضعف عن اللقاء، لأن الفضل المذكور محمول على من لم يخش ضعفاً، ولا سيما من اعتاد به، فصار ذلك من الأمور النسبية، فمن لم يضعفه الصوم عن الجهاد فالصوم في حقه أفضل، ليجمع بين الفضيلتين.
(د) وأما تخصيص أيام بالصوم فأولها شهر شعبان، وقد تعرضت له الروايات السابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة "ما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان". "لم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله. كان يصوم شعبان إلا قليلاً" "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهر من السنة أكثر صياماً منه في شعبان" وقد بسطنا القول عن المراد في المباحث العربية وهو لا يختلف في أن المراد إكثاره صلى الله عليه وسلم الصوم في شعبان.
وقد حاول العلماء تلمس الحكمة في إكثاره الصوم صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر، فقيل: لأنه شهر مفضل، فالصيام فيه أفضل من الصيام في غيره، ورد بأن شهر المحرم أفضل منه بصريح روايتنا الثالثة والأربعين والرابعة والأربعين، وفيهما "أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم"، ولا يعارضه ما أخرجه الترمذي من طريق صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس قال: "سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: شعبان لتعظيم رمضان" لأن الترمذي قال: هذا حديث غريب، و"صدقة" عندهم ليس بذاك القوي.
وقد أجاب النووي عن كونه لم يكثر الصيام في المحرم مع تصريحه بأنه أفضل الصيام بعد رمضان، فقال: يحتمل أن يكون ما علم ذلك إلا في آخر عمره، فلم يتمكن من كثرة الصوم في المحرم، أو اتفق له فيه من الأعذار بالسفر أو المرض مثلاً ما منعه من كثرة الصوم فيه. اهـ
وقيل: الحكمة في إكثاره من الصيام في شعبان دون غيره أن نساءه صلى الله عليه وسلم كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان -كما سبق- فكان يشاركهن الصيام.
وقيل: كان يشتغل عن صوم ثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فيقضيها في شعبان، قال الحافظ ابن حجر: وفيه حديث ضعيف أخرجه الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما أخر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم في شعبان".
وقيل: الحكمة في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ولما كان صوم رمضان فريضة ضم أيامه الثلاثة إلى أيام شعبان فكان يصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره.