تحريمها، ولا يصح أن تقصد في جوابه وأما الذي لا يعلم تحريمها فلا يصلح في جوابه "لا صام ولا أفطر".

ووضح الجواب الثاني واعترض عليه، فقال: ومن حجتهم حديث حمزة بن عمرو، فإن في بعض طرقه عند مسلم "أنه قال: يا رسول الله، إني أسرد الصوم" [فحملوا سرد الصوم على صيام الدهر] وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو "لا أفضل من ذلك" أي في حقك، فيلتحق به من في معناه، ممن يدخل به على نفسه مشقة، أو يفوت حقاً، ولذلك لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد، فلو كان السرد ممتنعاً لبينه له، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

قال الحافظ: وتعقب بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر، ولا يلزم من التعبير بسرد الصيام صوم الدهر، فقد عبر به عن صوم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد عند أحمد "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم فيقال: لا يفطر" ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم الدهر.

وتوضيح الجواب الثالث أن معنى "لا صام من صام الأبد" أن من اعتاد الصوم لا يكاد يشق عليه، ولا يكاد يحس بأنه صائم، بل تضعف شهوته عن الأكل، وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهاراً، ويألف تناوله بالليل فالكلام خبر، وليس فيه نهي عن صوم الأبد.

قال الحافظ ابن حجر: واختلف المجيزون لصوم الدهر بشرط أن لا يلحقه به ضرر، ولا يفوت به حقاً. هل هو أفضل؟ أو صيام يوم وإفطار يوم أفضل؟ فصرح جماعة من العلماء بأن صوم الدهر أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم في روايتنا الثالثة والعشرين "فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر" وقوله في روايتنا الخامسة والأربعين "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" قالوا: والمشبه به أقوى من المشبه فدل ذلك على أن صيام الدهر أفضل، وأنه مطلوب، ورد بأن التشبيه لا يقتضي أفضلية المشبه به من كل وجه، على أن المشبه في الحديث الأول من صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والمشبه في الحديث الثاني صوم رمضان وصوم ست من شوال فإن دل الحديثان على أفضلية صوم الدهر عما جاء فيهما فإنه لا يدل على فضيلته على صوم داود عليه السلام. كما استدلوا بأن صوم الدهر أكثر عملاً، فيكون أكثر أجراً، وبذلك جزم الغزالي أولاً، وقيده بشرط أن لا يصوم الأيام المنهي عنها، وأن لا يرغب عن السنة، بأن يجعل الصوم حجراً على نفسه، فإذا أمن من ذلك فالصوم من أفضل الأعمال، فالاستكثار منه زيادة في الفضل. وتعقبه ابن دقيق العيد بأن الأعمال متعارضة المصالح والمفاسد، ومقدار كل منها في الحث والمنع غير متحقق، فزيادة الأجر بزيادة العمل في شيء يعارضه اقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى يعارضها العمل المذكور، ومقدار الحاصل غير متحقق، فالأولى التفويض إلى حكم الشرع.

وذهب جماعة، منهم المتولي من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل، يدل على ذلك قوله "لا أفضل من ذلك" وقوله: "إنه أحب الصيام إلى الله تعالى" قال الحافظ ابن حجر: وهو ظاهر الحديث،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015