وهي العيدين والتشريق، ومذهب الشافعي وأصحابه أن سرد -أي متابعة الصيام إذا أفطر العيدين والتشريق لا كراهة فيه، بل هو مستحب بشرط ألا يلحقه به ضرر، ولا يفوت به حقاً، فإن تضرر أو فوت حقاً فمكروه، واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو، وقد رواه البخاري ومسلم أنه قال: "يا رسول الله إني أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ فقال: إن شئت فصم"، ولفظ رواية مسلم "فأقره صلى الله عليه وسلم على سرد الصيام".
[والإمام النووي يحيل على روايتنا الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة من روايات باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية الذي مضى قبل أربعة أبواب، وليس من ألفاظه ما ذكره النووي صراحة، ولكن فيها معنى إقراره له سرد الصوم في السفر لأيام شهر رمضان] قال النووي: ولو كان مكروهاً لم يقره، لا سيما في السفر. قال: وأجابوا عن حديث "لا صام من صام الأبد". [روايتنا السابعة والعشرين] بأجوبة:
أحدها: أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق، وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها.
والثاني: أنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقاً، ويؤيده أن النهي كان خطاباً لعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره. وندم على كونه لم يقبل الرخصة [يشير إلى روايتنا الرابعة والعشرين، وفيها "فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم] قالوا: فنهى ابن عمرو لعلمه بأنه سيعجز، وأقر حمزة بن عمرو لعلمه بقدرته بلا ضرر.
والثالث: أن معنى "لا صام" أنه لا يجد من مشقته ما يجدها غيره، فيكون خبراً، لا دعاء، وقوله صلى الله عليه وسلم [في روايتنا الثالثة والعشرين] "فإنك لا تستطيع ذلك" فيه إشارة إلى ما قدمناه أنه صلى الله عليه وسلم علم من حال عبد الله بن عمرو أنه لا يستطيع الدوام عليه، بخلاف حمزة بن عمرو انتهى.
ووضح الحافظ ابن حجر الجواب الأول واعترض عليه، فقال: وذهب جماعة إلى جواز صوم الدهر، وحملوا أخبار النهي [قول صلى الله عليه وسلم في روايتنا السابعة والعشرين والرابعة والثلاثين لعبد الله بن عمرو: "ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي الليل؟ فلا تفعل" وقوله في نهاية هذه الرواية "لا صام من صام الأبد. ثلاثاً". وقوله في الرواية السابعة والثلاثين في جواب سؤال عمر: كيف بمن يصوم الدهر كله؟ "قال: لا صام ولا أفطر
-[أو قال: لم يصم ولم يفطر] حملوا أخبار النهي على من صامه [كاملاً] حقيقة، فإنه يدخل فيه ما حرم صومه كالعيدين. قال: وهذا اختيار ابن المنذر وطائفة. وروي عن عائشة نحوه. قال: وفيه نظر، لأنه صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك جواباً لمن سأله عن صوم الدهر "لا صام ولا أفطر" وهو يؤذن بأنه ما أجر ولا أثم، ومن صام العيدين لا يقال فيه ذلك [بل يقال فيه: أثم] وأيضاً الأيام المحرم صيامها مستثناة بالشرع، غير قابلة للصوم شرعاً، فهي بمنزلة الليل وأيام الحيض، فلا تدخل في سؤال السائل الذي علم