[أي زوجني أبي] امرأة ذات حسب، فكان يتعاهد كنته [بفتح الكاف وتشديد النون، أي زوجة ابنه] فيسألها عن بعلها؛ فتقول: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشاً [أي لم يضاجعنا حتى يطأ فراشنا] ولم يفتش لنا كنفاً [أي لم يكشف لنا ستراً، ولم يرفع لنا ثوباً] وتأنى عمرو بن العاص لعل ابنه يرعى حق زوجه، وهو يعلم ما عليه ابنه من الصيام والقيام، فلما لم يقم ابنه بواجبه نحو زوجه أقبل عليه يلومه -كما جاء في بعض الروايات
-[يقول له: أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها، وفعلت .... وفعلت.] فلما طال ذلك [أي فلما تمادى عبد الله على حاله خشي عمرو بن العاص أن يلحقه إثم بتضييع حق زوجة ابنه فشكاه] ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم [لأنه صلى الله عليه وسلم الوحيد الذي إليه المرجع في الصيام والقيام].
وتحكي الرواية الرابعة والعشرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم استدعاه فأتاه، وتردد الرواية السابعة والعشرون بين الإرسال وبين اللقاء عفواً فتقول "فإما أرسل إلي، وإما لقيته"، وتحكي الرواية الثانية والثلاثون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي ذهب إلى عبد الله في داره، ويجمع بين الروايات باحتمال أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل إليه رجلاً، فلم يقابله، ولم يبلغه الطلب أو شك في ذلك، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالشك من عبد الله هل كان اللقاء قبل علمه بالإرسال أو بعده، ولما لقيه صلى الله عليه وسلم كلمه من غير أن يستوعب ما يريد من ذلك، ثم أتاه إلى بيته لمزيد الوعظ والنصح.
والقصة تتعلق بثلاث من العبادات. الصوم والتهجد وقراءة القرآن.
أما الصوم فالظاهر من مجموع الروايات أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالاقتصار على ثلاثة أيام من كل شهر، فلما قال: إنه يطيق أكثر من ذلك زاده بالتدريج، فأمره بالاقتصار على خمسة أيام من كل شهر، ففي الرواية الثانية والثلاثين "يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام. قلت يا رسول الله! قال: خمساً"، فلما راجعه أمره بستة أيام، ففي الرواية الثانية والثلاثين "صم يوماً، أي من عشرة "قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال: صم يومين"، أي من عشرة، ففي الشهر ستة أيام، فلما راجعه أمره بسبعة أيام من كل شهر ثم بتسعة أيام، ففي الرواية الثانية والثلاثين "قال سبعاً: قلت: يا رسول الله! قال: تسعاً" ثم أمره بعشرة أيام من كل شهر، وفي الرواية الثالثة والعشرين، "صم يوماً وأفطر يومين" ثم أمره باثنى عشر يوماً من كل شهر، كما في الرواية الثالثة والثلاثين "صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي" أي من العشرة، ففي الشهر اثنا عشر يوماً؛ ثم أمره بخمسة عشر يوماً، صوم داود عليه السلام. فالتدرج بدأ تصاعدياً بثلاثة، ثم بخمسة، ثم بستة، ثم بسبعة، ثم بتسعة، ثم بعشرة، ثم بأحد عشر، ثم بخمسة عشر، فذكر بعض الرواة ما لم يذكر الآخر، وجمع الإشارة إلى ذلك بما جاء عند أبي داود "فلم يزل يناقصني وأناقصه" أي فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقصني أيام فطري ويزيد في أيام صومي، وأناقصه، أي أطلب منه نقص أيام فطري وزيادة أيام صومي "حتى بلغ صوم داود عليه السلام".
وفي حكم صوم الدهر قال النووي: اختلف العلماء فيه، فذهب أهل الظاهر إلى منع صيام الدهر، نظراً لظواهر هذه الأحاديث، وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهي عنها،