ثم وضع الإمام النووي الحديث الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن تحت باب فضل الصيام، ووضع الحديث التاسع والعاشر تحت باب فضل الصيام في سبيل الله، ووضع الحادي عشر والثاني عشر تحت باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال، وجواز فطر الصائم نفلاً من غير عذر.
وهذا الباب الأخير مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالباب الأول، بل الحديث الأول "إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: إني صائم" إذ يرتبط بهذا مباشرة حكم الإفطار من صوم النفل، وعذر الإمام النووي أن الإمام مسلماً ذكر هذه الأحاديث بترتيب يصعب معه وضع عناوين صغيرة مما حملني على وضع عنوان شامل للباب أوزع ما جاء في أحاديثه على نقاط فقه الحديث متغاضياً عما ينبغي لها من ترتيب، التزاماً بترتيب سياق الإمام مسلم لها ما أمكن. ولتكن النقطة الأولى:
صوم التطوع: نيته وقطعه وقضاؤه. والحديث الأول ظاهره عدم الفطر، وعدم قطع صوم التطوع، وما سقناه من حديث أم سليم في رواية البخاري وما ساقه الإمام مسلم في حديثنا الثاني عشر يجيز الفطر وقطع الصوم.
قال الإمام النووي في المجموع: مذهب الشافعية أنه يستحب البقاء في صوم التطوع؛ والخروج منه بلا عذر ليس بحرام، ولا يجب قضاؤه، بل يستحب؛ وبهذا قال عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وسفيان الثوري وأحمد وإسحق: وقال أبو حنيفة: يلزمه الإتمام، فإن خرج منه لعذر لزمه القضاء ولا إثم، وإن خرج بغير عذر لزمه القضاء وعليه الإثم. وقال مالك وأبو ثور: يلزمه الإتمام، فإن خرج بلا عذر لزمه القضاء، وإن خرج بعذر فلا قضاء.
واحتج من قال بوجوب الإتمام بقوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33]. وبقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله عن الإسلام: "وصوم رمضان. قال: هل علي غيره؟ قال: لا. إلا أن تطوع" قالوا: وهذا الاستثناء متصل، فمقتضاه وجوب التطوع بمجرد الشروع فيه، قالوا: ولا يصح حملكم على أنه استثناء منقطع، بمعنى أنه يقدر "لكن لك أن تطوع" لأن الأصل في الاستثناء الاتصال، فلا تقبل دعوى الانقطاع فيه بغير دليل، واحتجوا أيضاً بالقياس على حج التطوع وعمرة التطوع، فإنهما يلزمان بالشروع بالإجماع.
واحتج الشافعية بحديثي عائشة [روايتنا الحادية عشرة] وفيهما فقال: هاتيه، فجئت به، فأكل، ثم قال: قد كنت أصبحت صائماً" "فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائماً، فأكل".
كما استدلوا بحديث سلمان وأبي الدرداء الذي سبقت الإشارة إليه، وبما رواه أبو داود والترمذي والنسائي والدارقطني والبيهقي وغيرهم "المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر" قال النووي: ولأنه نفل، فهو إلى خيرة الإنسان في الابتداء، فكذا في الدوام، وأما الجواب عن احتجاجهم بحديث "لا. إلا أن تطوع" فإن الاستثناء المنقطع وإن كان خلاف الأصل لكن يتعين تأويله ليجمع بينه وبين الأحاديث التي ذكرناها، وأما القياس على الحج والعمرة فالفرق أن الحج لا يخرج منه