بالإفساد، لتأكد الدخول فيه [أي يؤمر مفسده بالمضي في فاسده] بخلاف الصوم. اهـ ثم إنه قياس في مقابلة النص، فلا يعتبر به، وأما استدلاهم بقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} فعن ابن عباس لا تبطلوها بالرياء والسمعة، أو بالشك والنفاق، وقيل لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر، وقيل: بالعجب، فإن العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
وأما وجوب القضاء على من أفطر من صوم التطوع فقد احتجوا له ما رواه الترمذي والنسائي عن عائشة قالت: "كنت أنا وحفصة صائمتين، فعرض لنا طعام اشتهيناه" فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدرتني إليه حفصة. وكانت ببيت أبيها -فقالت: يا رسول الله .. فذكرت ذلك، فقال: اقضيا يوماً آخر مكانه".
وأجاب الآخرون بأن في هذا الحديث مقالاً، وعلى فرض صحته يجمع بين الأحاديث بحمل الأمر بالقضاء على الندب. والله أعلم.
وقد أخذ النووي من الحديث الأول من قوله "فليقل: إني صائم" أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم والصلاة وغيرهما إذا دعت الحاجة، قال: والمستحب إخفاؤها إذا لم تكن حاجة، قال: وفيه الإشارة إلى حسن المعاشرة، وتأليف القلوب، وحسن الاعتذار.
وأخذ من الحديث الحادي عشر، من قوله "فإني صائم" جواز صوم النافلة بنية من النهار، قال: وفيه دليل لمذهب الجمهور أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس، قال: ويتأوله الآخرون على أن سؤاله صلى الله عليه وسلم "هل عندكم شيء" لكونه ضعف عن الصوم. وكان نواه من الليل، فأراد الفطر للضعف: قال: وهذا تأويل فاسد، وتكلف بعيد. اهـ
النقطة الثانية: حماية الصوم من اللغو والرفث، والرواية الثانية تأمر بذلك، فتقول "فإذا أصبح أحدكم يوماً صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم" والرواية الرابعة تقول "الصيام جنة" والرواية الخامسة تقول "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم".
قال النووي في المجموع: ينبغي للصائم أن ينزه صومه عن الغيبة والشتم، أي يتأكد التنزه عن ذلك في حق الصائم أكثر من غيره، وإلا فغير الصائم ينبغي له ذلك أيضاً، ويؤمر به في كل حال، فلو اغتاب في صومه عصى ولم يبطل صومه عندنا، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والعلماء كافة إلا الأوزاعي، فقال يبطل الصوم بالغيبة، ويجب قضاؤه، واحتج بحديث أبي هريرة [روايتنا الثانية والخامسة] وبما رواه البخاري عن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وبما رواه أبو هريرة أيضاً قال: قال صلى الله عليه وسلم "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر" رواه النسائي وابن ماجه في سننهما، ورواه الحاكم في المستدرك، وبحديث "ليس الصيام من الأكل والشرب فقط الصيام من اللغو والرفث" رواه البيهقي ورواه الحاكم في المستدرك. قال: وأجاب