ذلك، لأنه كان نيته أن يصوم جميع الشهر، فلما منعه صلى الله عليه وسلم من ذلك إبقاء عليه بقي أجر نيته على حاله، سواء صام منه قليلاً أو كثيراً، كما تأوله في حديث "نية المرء خير من عمله" أي إن أجره في نيته أكثر من أجر عمله، لامتداد نيته إلى ما لا يقدر على عمله. اهـ قال الحافظ ابن حجر: والحديث المذكور ضعيف، وهو في مسند الشهاب، والتأويل المذكور لا بأس به. اهـ

وأجاز الحافظ ابن حجر أن يحمل الحديث على ظاهره، وأجاز أن ينقص الأجر بزيادة العمل قال: والسبب فيه أنه كلما ازداد من الصوم ازداد من المشقة الحاصلة بسببه، المقتضية تفويت بعض الأجر الحاصل من العبادات التي قد يفوتها مشقة الصوم، فينقص الأجر باعتبار ذلك. اهـ

وحاول بعضهم أن يخرج من الإشكال بتأويل بعيد، فقال: معنى الحديث: صم يوماً من عشرة ولك أجر تسعة، وصم يومين من عشرين ولك أجر الثمانية عشرة، وصم ثلاثة أيام من الثلاثين ولك أجر بقية الشهر. وهذا التأويل بعيد جداً، لأن قوله: "صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي" يلزم منه على هذا أن يكون التقدير: ولك أجر أربعين، مع أنه مقيد في نفس الحديث بالشهر، والشهر لا يكون أربعين. قاله الحافظ ابن حجر.

وأضيف إليه أن الحديث بهذا التأويل لا تكون به مساومات أو زيادات، فأربعة أيام من أربعين يوماً تساوي يوماً من عشرة أيام، والواقع غير ذلك، فقد كان التدرج نتيجة لقول عبد الله "إني أطيق أكثر من ذلك" ثم الروايات الأخرى صريحة في التدرج به بالزيادة في الصيام، وللجمع بينهما قال الحافظ ابن حجر: الظاهر أنه أمره بالاقتصار على ثلاثة أيام من كل شهر، فلما قال: إنه يطيق أكثر من ذلك زاده بالتدريج إلى أن وصله إلى خمسة عشر يوماً، فذكر بعض الرواة عنه ما لم يذكره الآخر، ويدل على ذلك رواية عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو "فلم يزل يتناقصني وأناقصه".

(قال له ... أو قال الرجل وهو يسمع) قال الحافظ ابن حجر: هذا شك من مطرف الراوي عن عمران بن حصين.

(أصمت من سرة هذا الشهر) المشار إليه شهر شعبان كما صرح به في روايتنا المتممة للأربعين؟ قال النووي: "سرة" بالهاء بعد الراء، وذكر مسلم بعده حديث قتادة ثم حديث عمران أيضاً في "سرر شعبان" قال: وهذا تصريح من مسلم بأن رواية عمران الأولى بالهاء، والثانية بالراء، ولهذا فرق بينهما، وأدخل الأولى مع حديث عائشة كالتفسير له، فكأنه يقول: يستحب أن تكون الأيام الثلاثة من سرة الشهر، وهي وسطه. اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: لم أره في جميع طرق الحديث باللفظ الذي ذكره النووي "سرة" بل هو عند أحمد من وجهين، بلفظ "سرار" وهذا يدل على أن المراد آخر الشهر، ونقل عن الخطابي أن السؤال سؤال زجر وإنكار، لأنه قد نهي أن يستقبل رمضان بيوم أو يومين.

والسرر بفتح السين، ويجوز كسرها وضمها، جمع سرة، ويقال أيضاً سرار بفتح أوله وكسره، وهو من الاستسرار. قال أبو عبيد والجمهور: المراد بالسرر هنا آخر الشهر، سيمت بذلك لاستسرار القمر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015