(فليقل: إني صائم. إني صائم) قال النووي: هكذا هو مرتين. اهـ قال الكرماني: أي كلاماً لسانياً، ليسمعه الشاتم والمقاتل فينزجر غالباً، أو كلاماً نفسياً، أي يحدث به نفسه، ليمنعها من مشاتمته، وعند الشافعي: يجب الحمل على كلا المعنيين، وقال النووي: كل منهما حسن، والقول باللسان أقوى، ولو جمعهما لكان حسناً، وقال الروياني: إن كان في رمضان فليقل بلسانه، وإن كان في غيره فليقله في نفسه، احترازاً من الرياء، ونقل الزركشي أن ذكرها مرتين مراد بها أن يقول مرة بقلبه، ومرة بلسانه، فيستفيد بقلبه كف لسانه عن خصمه، وبقوله بلسانه كف خصمه عنه. والمراد على أي حال أن لا يعامله بمثل عمله.
(قال الله عز وجل) قال الكرماني: فإن قلت: هذا قول الله وكلامه، فما الفرق بينه وبين القرآن؟ قلت: القرآن لفظه معجز، ومنزل بواسطة جبريل عليه السلام، وهذا غير معجز، وبدون الواسطة، ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني. فإن قلت: الأحاديث كلها كذلك؟ قلت: الفرق بأن القدسي مضاف إلى الله، ومروي عنه، بخلاف غيره. اهـ
(كل عمل ابن آدم له إلا الصيام هو لي) الإضافة إلى الشريف تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله مع أن البيوت كلها لله، ولا يفهم من هذا التخصيص في مثل هذا السياق إلا التعظيم وسيأتي مزيد لذلك في فقه الحديث.
(وأنا أجزي به) بيان لكثرة ثوابه، لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظمته وسعته.
(لخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) في الرواية الخامسة والسابعة "لخلوف فم الصائم" وفي الرواية الخامسة "أطيب عند الله يوم القيامة" يقال: خلف فوه، بفتح الخاء واللام يخلف بضم اللام، وأخلف فوه، يخلف بضم فسكون فكسر، إذا تغير، والخلوف بضم الخاء واللام تغير رائحة الفم، قال النووي: هذا هو الصواب فيه بضم الخاء، وهو الرواية الصحيحة، وكثير من الشيوخ يرويه بفتحها. قال الخطابي: وهو خطأ. اهـ و"خلفة" بضم الخاء وسكون اللام بمعنى خلوف.
قال النووي: وأما معنى الحديث، فقال القاضي، قال المازري: هذا مجاز واستعارة، لأن استطابة بعض الروائح من صفات الحيوان الذي له طبائع تميل إلى شيء فتستطيبه، وتنفر من شيء فتستقذره، والله تعالى متقدس عن ذلك، لكن جرت عاداتنا بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستعير ذلك في الصوم، لتقريبه من الله تعالى. اهـ فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم، أي يقرب إلى الله أكثر من تقريب المسك إليكم، وهذا قريب من قول الجمهور: إنه كناية عن رضا الله عنه وقبوله لصومه.
قال القاضي: وقيل: يجازيه الله تعالى به في الآخرة، فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، كما أن دم الشهيد يكون ريحه ريح المسك. اهـ، كما جاء في جرح الشهيد ودمه، يكون اللون لون الدم