والريح ريح المسك، فالمعنى تكون رائحة صاحب الخلوف بين الخلائق يوم القيامة أطيب من ريح المسك. وقيل: يحصل لصاحبه من الثواب أكثر مما يحصل لصاحب المسك، وهذا قريب من رأي الداودي الآتي. وقيل: رائحته عند ملائكة الله -في الدنيا- أطيب من رائحة المسك عندنا، وإن كانت رائحة الخلوف عندنا خلافه. والأصح ما قاله الداودي من المغاربة -وقاله من قال من أصحابنا-: إن الخلوف أكثر ثواباً من المسك، حيث ندب إليه في الجمع والأعياد ومجالس الحديث والذكر وسائر مجامع الخير. اهـ
ولهذه المعاني المحتملة كان الخلاف بين العلماء. هل هذا إخبار عن حاله في الدنيا؟ أو عن حاله في الآخرة؟ أو عن حاله فيهما؟ .
(الصيام جنة) بضم الجيم وتشديد النون المفتوحة، أي وقاية وسترة، وفي بعض الروايات عند النسائي "جنة من النار" وعند أحمد "جنة وحصن حصين من النار" وعند النسائي "الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال" وجنة القتال المجن، وهو الترس، وقيل معناه جنة وستر ومانع من الرفث والآثام وما يؤذي من الشهوات.
قال القرطبي: جنة أي سترة، يعني بحسب مشروعيته، فينبغي للصائم أن يصونه مما يفسده، وينقص ثوابه، وإليه الإشارة بقوله: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث".
ويصح أن يراد أنه سترة بحسب فائدته، وهي إضعاف شهوات النفس، وإليه الإشارة بقوله: "يدع شهوته ... ".
ويصح أن يراد أنه سترة حسب ما يحصل من الثواب وتضعيف الحسنات.
(إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) في الرواية السادسة "فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه" قال النووي: قال العلماء، أما فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه، وتذكر نعمة الله عليه بتوفيقه لذلك، وأما عند فطره فسببها تمام عبادته، وسلامتها من المفسدات، وما يرجوه من ثوابها. اهـ
ولا مانع شرعاً من أن يكون سبب فرحته عند فطره دنيوية بإباحة المطعم والمشرب الذي حرم عليه من قبل، فتكون فرحة الجائع والعطشان عند الأكل والشرب.
(إن في الجنة باباً يقال له: الريان) قال: "في الجنة" ولم يقل للجنة ليشعر أن الباب نفسه في داخل الجنة، ففيه من الراحة والنعيم ما في الجنة. قاله الزين بن المنير. وقال العيني: وإنما لم يقل "للجنة" ليشعر بأن باب الريان غير الأبواب الثمانية التي للجنة. اهـ وفيه نظر، فقد جاء الحديث من وجه آخر "إن للجنة ثمانية أبواب. منها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون".
و"الريان" بفتح الراء وتشديد الياء من الري، وهو مناسب لحال الصائمين، قال القرطبي: واكتفى