(ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي لا علم لي ولا لك ولا لأحد بها، وكان هذا هو أصل ما يقال، لكنه عدل إلى المذكور، ليعم كل سائل ومسئول، بمعنى أن كل مسئول عن وقت الساعة لا يزيد في العلم بها عن السائل، وقد اعترض على هذا التعبير بأنه لا ينفي العلم بالساعة، لأن نفي الأفضلية في شيء لا يستلزم نفي الشيء، فالعبارة تنفي أفضلية الرسول صلى الله عليه وسلم وزيادته في علم الساعة عن جبريل، ولا تنفي مساواتهما في العلم، وأجيب بأن نفي الأفضلية في العلم يحتمل المساواة في العلم ويحتمل المساواة في الجهل، ويحدد أحد الاحتمالين بقرينة، فلما قال "في خمس لا يعلمهن إلا الله" كما في رواية أبي هريرة تعين الاحتمال الثاني، وقيل إن المراد إفادة التساوي في العلم بأن الله استأثر بعلمها.
(فأخبرني عن أمارتها) الأمارة بفتح الهمزة هي العلامة والقرينة الدالة على قربها.
(أن تلد الأمة ربتها) الرب: المالك، والمقصود بالربة: النسمة المالكة فيشمل الذكر والأنثى، وفي المراد منه أقوال كثيرة أهمها: أنه كناية عن كثرة أولاد السراري، فإن ولد الأم من سيدها بمنزلة سيدها، لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، ولا شك أنها مال لأبيه، وقد يتصرف الولد في مال أبيه في حياته تصرف المالكين بإذنه وهذا القول ضعيف لأن هذه الأمارة كانت موجودة بكثرة في عهده صلى الله عليه وسلم وضعفت بل ندرت في هذه الأيام وقيل: كناية عن فساد الحال لكثرة بيع أمهات الأولاد فيتداولهن المالكون فيشتري الرجل أمه وهو لا يشعر.
وضعف هذا القول من ضعف سابقه وقيل: كناية عن كثرة الفتوحات والسبي وقيل: كناية عن أن الإماء يلدن الملوك لأن أمه حينئذ تكون من رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته وخير ما قيل: إنه كناية عن كثرة العقوق حتى يصير الولد لقلة بره بأمه كأنه مولاها كما جاء في رواية "ويكون الولد غيظا" أو أنه كناية عن رفع الأسافل، ويزكيه حديث "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع" وقد ورد في بعض الروايات "أن تلد الأمة بعلها" والصحيح في معناه أن المراد بالبعل المالك أو السيد فيكون بمعنى الرب.
(وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء) "الحفاة" جمع حاف وهو الذي لا نعل له و"العراة" جمع عار وهو الذي لا شيء عليه، و"العالة" الفقراء من عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر، و"رعاء الشاء" بكسر الراء آخره همزة هم الرعاة بالراء المضمومة مع هاء التأنيث وخص أهل الشاة بالذكر لأنهم أضعف أهل البادية.
(يتطاولون في البنيان) أي يتنافسون في رفع البناء ويتفاخرون ويتبارون والخطاب في "ترى" لكل من تأتى له الخطاب والمراد من الرؤية العلم ليدخل الأعمى والأمارة في الحقيقة التطاول لا رؤيته، والقصد من هذه الأمارة تبدل الحال أيضا.
(فلبث مليا) بضمير الفاعل الغائب للرسول صلى الله عليه وسلم وفي كثير من الأصول المحققة "فلبثت"