-[فقه الحديث]-
قال النووي: مذهبنا ومذهب العلماء كافة وجوب الكفارة على من جامع امرأته في نهار رمضان عامداً جماعاً أفسد به صوم يوم.
وقال في المجموع: إذا أفطر الرجل أو المرأة في نهار رمضان بالجماع بغير عذر لزمه إمساك بقية النهار بلا خلاف، ويجب عليه القضاء، وقال: إذا كفر بالصوم اندرج قضاء اليوم فيه، ولا خلاف أن المرأة يلزمها القضاء إذا لم توجب عليها كفارة.
ثم قال: واتفق أصحابنا على أنه إذا جامع في يومين أو أيام وجب لكل يوم كفارة، سواء كفر عن الأول أم لا، بخلاف من تطيب ثم تطيب في الإحرام قبل أن يكفر عن الأول، فإنه يكفيه فدية واحدة، لأن الإحرام عبادة واحدة بخلاف اليومين في رمضان وإن جامع زوجته في يوم من رمضان مرتين فأكثر لزمه كفارة واحدة عن الأول، ولا شيء عن الثاني.
هذا مذهب الشافعية وفي المذاهب الأخرى خلاف، ولم تتعرض أحاديثنا لهذه التفصيلات.
وظاهر أحاديث الباب الأول والثاني والثالث وجوب الكفارة، وبهذا قال جمهور العلماء. قال النووي: وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وداود والعلماء كافة إلا ما حكي عن الشعبي وسعيد بن جبير والنخعي وقتادة أنهم قالوا: لا كفارة عليه، كما لا كفارة عليه بإفساد الصلاة. اهـ قيل: واستندوا إلى أنه لو كانت واجبة عليه لما سقطت بالإعسار، ورد بمنع سقوطها بالإعسار، كما سيأتي.
وظاهرها أيضاً أن الكفارة عليه مرتبة: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً. قال ابن العربي: لأن النبي صلى الله عليه وسلم نقله من أمر بعد عدمه لأمر آخر، وليس هذا شأن التخيير.
وقال البيضاوي: ترتيب الثاني بالفاء على فقد الأول [قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين] ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني [قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً] يدل على عدم التخيير، مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال، فينزل منزلة الشرط للحكم. وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وابن حبيب من المالكية والمشهور من مذهب أحمد، ووقع في "المدونة" [ولا يعرف مالك غير الإطعام، ولا يأخذ بعتق ولا صيام] واحتجوا له بأن حديث عائشة -روايتنا الخامسة والسادسة- لم يقع فيه سوى الإطعام، وأجاب الجمهور بأنه قد ورد فيه من وجه آخر ذكر العتق أيضاً، وروى عنه أيضاً القول بالتخيير بين الثلاثة، بين عتق الرقبة وصوم شهرين والإطعام، بل قال: الإطعام أحب إلي من العتق. مستنداً إلى روايتنا الرابعة، ولفظها "أمر رجلاً أفطر في رمضان أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين، أو يطعم ستين مسكيناً" فذكر "أو" للتخير، ووجهوا ترجيح الطعام على غيره بأن الله ذكره في القرآن رخصة القادر، ثم نسخ هذا الحكم {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184] ولا يلزم من نسخ الحكم نسخ الفضيلة، ويترجح الإطعام أيضاً لاختيار الله