له في حق المفطر بالعذر، وكذا أخبر بأنه في حق من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان آخر، ولمناسبة إيجاب الإطعام لجبر فوات الصيام الذي هو إمساك عن الطعام، ولشمول نفعه للمساكين.
ونازع القاضي عياض في ظهور دلالة الترتيب في روايتنا الأولى، وقال: إن مثل هذا قد يستعمل فيما هو على التخيير، وقرره ابن المنير في الحاشية بأن شخصاً لو حنث فاستفتى، فقال له المفتي: أعتق رقبة، فقال: لا أجد فقال: صم ثلاثة أيام .... إلخ لم يكن مخالفاً لحقيقة التخيير، بل يحمل على أن إرشاده إلى العتق لكونه أقرب لتنجيز الكفارة. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: وكل هذه الوجوه لا تقاوم ما ورد في الحديث من تقديم العتق على الصيام، ثم الإطعام، فإن هذه البداءة إن لم تقتض وجوب الترتيب فلا أقل من أن تقتضي استحبابه. وقال ابن دقيق العيد: وهي [أي أقوال المالكية] معضلة، لا يهتدي إلى توجيهها مع مصادمة الحديث الثابت. اهـ.
قال الحافظ: ومن المالكية من وافق على استحباب الترتيب الوارد، ومنهم من قال: إن الكفارة، تختلف باختلاف الأوقات، ففي وقت الشدة يكون بالإطعام، وفي غيرها يكون بالعتق أو الصوم، ونقلوه عن بعض محققي المتأخرين، ومنهم من قال: الإفطار بالجماع يكفر بالخصال الثلاث، وبغيره لا يكفر إلا بالإطعام، وهو قول أبي مصعب، وقال ابن جرير الطبري: هو مخير بين العتق والصوم، ولا يطعم إلا عند العجز عنهما.
وجاء عن بعض المتقدمين إهداء البدنة عند تعذر الرقبة. اهـ.
ثم قال وسلك الجمهور في ذلك [في استدلال المالكية بروايتنا الرابعة] مسلك الترجيح، بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخيير، فقد روي الترتيب عن الزهري أكثر من ثلاثين نفساً، ورجح الترتيب أيضاً بأن راويه حكى لفظ القصة على وجهها، فمعه زيادة علم من صورة الواقعة، وراوي التخيير حكى لفظ راوي الحديث، فدل على أنه من تصرف بعض الرواة، إما لقصد الاختصار، أو لغير ذلك، ويترجح الترتيب أيضاً بأنه أحوط، لأن الأخذ به مجزئ، سواء قلنا بالتخير أولا بخلاف العكس. اهـ.
هذا. وفي رواية عن أحمد أن هذه الكفارة على التخيير بين العتق والصيام والإطعام، وبأيها كفر أجزأ.
وأخذ بعضهم من الحديث سقوط الكفارة بالإعسار المقارن لوجوبها، لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس، ولا إلى العيال، ولم يبين النبي صلى الله عليه وسلم استقرارها في ذمته إلى حين يساره، ولا يتأخر البيان عن وقت الحاجة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عجز الأعرابي عنها قال: أطعمه أهلك، ولم يأمره بكفارة أخرى، ولأنه حق مال، يجب لله تعالى لا على وجه البدل، فلم يجب على العجز، كزكاة الفطر.
وهو أحد قولين للشافعي، ورواية عن أحمد، والجمهور على أنها لا تسقط بالإعسار المقارن لوجوبها، بل تثبت في الذمة، فإذا قدر لزمه قضاؤها، قال النووي: وهو صحيح، لأنه حق لله تعالى،