-[فقه الحديث]-
روي عن أحمد وابن حبان عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم "إذا نودي للصلاة" صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم حينئذ" وروى النسائي والطبراني عن عبد الله بن عبد الله بن عمر: قال لي أبو هريرة "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالفطر إذا أصبح الرجل جنباً".
قال الحافظ: والذي يظهر لي أن مراد البخاري أن الرواية الأولى أقوى إسناداً، وهي من حيث الرجحان كذلك، لأن حديث عائشة وأم سلمة في ذلك جاء عنهما من طرق كثيرة جداً بمعنى واحد، حتى قال ابن عبد البر: إنه صح وتواتر، وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي به، وجاء عنه من هذين الطريقين أنه كان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك وقع فيما أخرجه عبد الرزاق عن أبي بكر بن عبد الرحمن "سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" فذكر الحديث، والنسائي عن أبي بكر بن عبد الرحمن "بلغ مروان أن أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأحمد عن عبد الله بن عمرو القاري "سمعت أبا هريرة يقول: ورب هذا البيت ما أنا قلت: من أدرك الصبح وهو جنب فلا يصم، محمد ورب الكعبة قاله". قال الحافظ: لكن بين أبو هريرة -كما مضى- أنه لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سمعه بواسطة الفضل وأسامة. وكان لشدة وثوقه بخبرهما يحلف على ذلك. وأما ما أخرجه بن عبد البر من رواية عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أنه قال: "كنت حدثتكم: من أصبح جنباً فقد أفطر وأن ذلك من كيس أبي هريرة". فلا يصح ذلك عن أبي هريرة، لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك.
ثم استعرض الحافظ أقوال العلماء في حكم من أصبح جنباً، فقال:
نقل الترمذي أنه بقي على مقالة أبي هريرة بعض التابعين، ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الإجماع على خلافه، وجزم بذلك النووي.
وأما ابن دقيق العيد فقال: صار ذلك إجماعاً، أو كالإجماع، لكن من الآخذين بحديث أبي هريرة من فرق بين من تعمد الجنابة وبين من احتلم، ومنهم من قال: يتم صومه ويقضي، ومنهم من قال: يقضي استحباباً، ومنهم من قال: يقضي وجوباً في الفرض، ويجزئ في التطوع.
ونقل الماوردي أن هذا الاختلاف كله إنما هو في حق الجنب، وأما المحتلم فأجمعوا على أنه يجزئه.
قال الحافظ: وحمل القائلون بفساد صوم الجنب حديث عائشة وأما سلمة على أنه من الخصائص النبوية، وأجاب الجمهور بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، وبأنه قد ورد صريحاً ما يدل على عدمها، وهو ما أخرجه مسلم "أن رجلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه .... " والحديث روايتنا الخامسة. اـ.
ومن الواضح أن الحكم الشرعي على خلاف ما كان يقول أبو هريرة، ومن الثابت أن أبا هريرة رجع عن هذه الفتوى بعد تلك المواجهة، إما لرجحان رواية أمي المؤمنين على رواية غيرهما، وإما لاعتقاده أن خبر أمي المؤمنين ناسخ لخبر غيرهما.