وقد دافع كثير من العلماء عن موقف أبي هريرة في فتواه أو حديثه.
فقد قال ابن خزيمة: إن أبا هريرة لم يغلط، بل أحال على رواية صادق إلا أن الخبر منسوخ، لأن الله تعالى عند ابتداء فرض الصوم كان منع في ليل الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم، فيحتمل أن يكون خبر الفضل كان حينئذ، ثم أباح الله ذلك كله إلى طلوع الفجر، فكان للمجامع أن يستمر إلى طلوعه، فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر، فدل على أن حديث عائشة ناسخ لحديث الفضل، ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة الناسخ، فاستمر أبو هريرة على الفتيا به، ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه. أهـ.
وإلى دعوى النسخ ذهب ابن المنذر والخطابي وغير واحد، وقررها ابن دقيق العيد، ورجحها الحافظ ان حجر: وهذا خير دفاع.
ومال البخاري إلى الترجيح بين الخبرين، حيث قال: والأول أسند، وتابعه قوم، فقالوا: إن حديث عائشة راجح لموافقة أم سلمة لها على ذلك ورواية الاثنين تقدم على رواية الواحد، ولا سيما وهما زوجتان، وهما أعلم بذلك من الرجال، ولأن روايتهما توافق المنقول، وهو مدلول الآية، والمعقول وهو أن الغسل شيء وجب بالإنزال، وليس في فعله شيء يحرم على صائم، فقد يحتلم بالنهار، فيجب عليه الغسل، ولا يحرم عليه، بل يتم صومه إجماعاً، فكذلك إذا احتلم ليلاً، بل هو من باب أولى، وإنما يمنع الصائم من تعمد الجماع نهاراً.
وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل، فإن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر، فلو خالف جاز، ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز، ونقل النووي هذا عن أصحاب الشافعي. قال الحافظ: ويعكر على حمله على الإرشاد التصريح في كثير من طرق حديث أبي هريرة بالأمر بالفطر، وبالنهي عن الصيام، فكيف يصح الحمل المذكور إذا وقع ذلك في رمضان. اهـ اعتراض مفحم.
وجمع بعضهم بحمل حديث أبي هريرة على من أدركه الفجر مجامعاً فاستدام بعد طلوعه عالماً بذلك. قال الحافظ: ويعكر عليه ما رواه النسائي عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه أن أبا هريرة كان يقول: "من احتلم وعلم باحتلامه، ولم يغتسل حتى أصبح فلا يصوم".
وحكى ابن التين عن بعضهم أن لفظ "لا" سقط من حديث الفضل، وكان في الأصل "من أصبح جنباً في رمضان فلا يفطر" فلما سقط "لا" صار "فليفطر".
قال الحافظ: وهذا بعيد. بل باطل، لأنه يستلزم عدم الوثوق بكثير من الأحاديث، وأنها يتطرق إليها هذا الاحتمال، وكأن قائله ما وقف على شيء من طرق هذا الحديث إلا على اللفظ المذكور. اهـ.
هذا، والحائض والنفساء إذا انقطع دمها ليلاً في معنى الجنب. قال النووي: مذهب العلماء كافة صحة صومها إلا ما حكى عن بعض السلف، مما لا يعلم أصح عنه أم لا. اهـ.
وحكى ابن دقيق العيد أن في المسألة في مذهب مالك قولين. وحكى ابن عبد البر عن عبد الملك