أما صيغة الدعاء التي استحبها الشافعي لتقال لدافع الزكاة فهي أن يقول: آجرك الله فيما أعطيت، وجعله لك طهوراً، وبارك لك فيما أبقيت.
وهدف الحديث الثاني الوصايا بالسعاة وطاعة ولاة الأمور، وجمع كلمة المسلمين، وصلاح ذات البين، قال النووي: وهذا كله ما لم يطلب الساعي جوراً فلا موافقة له ولا طاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس في "صحيح البخاري": "فمن سئلها على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط". واختلف أصحابنا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا يعط". فقال أكثرهم: لا يعطى الزيادة، بل يعطى الواجب. وقال بعضهم: لا يعطى شيئاً أصلاً، لأنه يفسق بطلب الزيادة، وينعزل، فلا يعطى شيئاً، بل يخرج الواجب بنفسه أو يدفعه إلى ساع آخر، وهذا إذا طلب الزائد بغير تأويل، كمن طلب شاتين عن شاة، فأما من طلب زيادة بتأويل، بأن كان مالكياً، يرى أخذ الكبيرة عن الصغار فإنه يعطى الواجب بلا خلاف، ولا يعطى الزائد، لأنه لا يفسق ولا يعصي والحالة هذه. والله أعلم.
ويتعلق بهذا الحديث أمور ذكرها النووي في "المجموع":
الأول: قال: قال أصحابنا: يجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الصدقات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة، ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يبخل، فوجب أن يبعث من يأخذ.
الثاني: قال: واتفقوا على أنه يشترط في الساعي أن يكون مسلماً حراً عدلاً، فقيهاً في أبواب الزكاة. ولا يشترط فقهه في غير ذلك.
الثالث: قال: قال الشافعي والأصحاب: للمالك أن يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه، وهذا لا خلاف فيه. ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين. قال: والأموال الباطنة هي الذهب والفضة والركاز وعروض التجارة وزكاة الفطر [وإنما سميت باطنة لأنها لا يعرف حدودها وقيمتها إلا صاحبها غالباً].
ثم قال: وله أن يوكل في صرف الزكاة التي له تفريقها بنفسه [أي زكاة الأموال الباطنة] فإن شاء وكل في الدفع إلى الإمام أو الساعي، وإن شاء وكل في الدفع إلى الأصناف الثمانية، وإنما جاز التوكيل في ذلك مع أنها عبادة لأنها تشبه قضاء الديون، ولأنه قد تدعو الحاجة إلى الوكالة، لغيبة المال عن المالك، وسواء وكله في دفعها من مال الموكل أو من مال الوكيل، فهما جائزان بلا خلاف.
ثم قال: وله صرفها [أي زكاة الذهب والفضة والركاز وعروض التجارة وزكاة الفطر] إلى الإمام والساعي، فإن كان الإمام عادلاً أجزأه الدفع إليه بالإجماع، وإن كان جائراً أجزأه على المذهب الصحيح المشهور. اهـ.
ولست مع هذا القول المشهور، فإنه والحالة هذه قد دفع زكاته باختياره لمن يعلم أنه لن يضعها في مكانها وحقها، فلا يخلو من التبعة، ولا تقع زكاته موقعها.
لكن إن طلبها الإمام الجائر دفعها إليه، وتخلو عهدته، لأن طاعته واجبة.