الزكاة سنة مستحبة، وليس بواجب، وقال أهل الظاهر: هو واجب. قال: وبه قال بعض أصحابنا، واعتمدوا الأمر في الآية: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [التوبة: 103] جعلوا الأمر في "صل" للوجوب، وعمموه للأمة. قال: قال الجمهور: الأمر في حقنا للندب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً وغيره لأخذ الزكاة ولم يأمرهم بالدعاء. قال: وقد يجيب الآخرون بأن وجوب الدعاء كان معلوماً لهم من الآية الكريمة. قال: وأجاب الجمهور أيضاً بأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لدافع الزكاة وصلاته عليه سكن له بخلاف دعاء غيره صلى الله عليه وسلم. اهـ والراجح رأى الجمهور، وأن الدعاء للمزكي مستحب، لأن الزكاة تقع الموقع وإن لم يدع، وقياساً على استيفاء جميع الحقوق إذ لا يجب على مستوفي الحق الدعاء لمؤدي الحق. والله أعلم.
ولا يتعين لفظ الصلاة في دعاء آخذ الزكاة للمزكي، بل ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي والجمهور إلى أنه لا يصلى على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام استقلالاً، فلا يقال: اللهم صل على آل أبي بكر، ولا على آل عمر، ولكن يصلي عليهم تبعاً، كما جاء في التشهد: "اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم"، وقد أجاز الإمام أحمد الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً، استدلالاً بهذا الحديث، ويجيب عنه الجمهور بأن هذا خاص به عليه الصلاة والسلام، فالصلاة عليه حقه، يعطيه لمن يشاء، وليس لغيره ذلك.
قال النووي: وأما قول الساعي: اللهم صل على فلان. فكرهه جمهور أصحابنا، وهو مذهب ابن عباس ومالك وجماعة من السلف، وقال جماعة من العلماء يجوز ذلك بلا كراهة، لهذا الحديث، قال أصحابنا: لا يصلى على غير الأنبياء إلا تبعاً، لأن الصلاة في لسان السلف مخصوصة بالأنبياء، صلاة الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا [عز وجل] مخصوص بالله سبحانه وتعالى فكما لا يقال: محمد عز وجل وإن كان عزيزاً جليلاً لا يقال: أبو بكر صلى الله عليه وسلم وإن صح المعنى، قال: واختلف أصحابنا في النهي عن ذلك، هل هو نهي تنزيه أو محرم؟ أو مجرد أدب؟ على ثلاثة أوجه، الأصح الأشهر أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار لأهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال: وقال الشيخ أبو محمد الجويني من أئمة الشافعية: السلام في معنى الصلاة، ولا يفرد به غير الأنبياء، لأن الله تعالى قرن بينهما، ولا يفرد به غائب، ولا يقال: قال فلان عليه السلام. وأما المخاطبة به لحي أو ميت فسنة، فيقال: السلام عليكم أو سلام عليك أو عليكم. والله أعلم. اهـ.
وقال النووي في "المجموع": ويستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار، فيقال: رضي الله عنه، أو رحمة الله عليه، أو رحمه الله، ونحو ذلك، وأما ما قاله بعض العلماء أن قول: [رضي الله عنه] مخصوص بالصحابة، ويقال في غيرهم [رحمه الله] فقط فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذي عليه الجمهور استحبابه ودلائله أكثر من أن تحصى، فإن كان المذكور صحابياً ابن صحابي قال [رضي الله عنهما] ليشمله وأباه جميعاً. اهـ.